أيلول الأسود ..... ذاكرة فلسطينية حافلة بالوقت الحاسم

أيلول الأسود ..... ذاكرة فلسطينية حافلة بالوقت الحاسم

حين نقول فلسطين تتواتر في الذاكرة أيام مأزومة متشنجة واعدة بالغياب ، نقول فلسطين فيرجع أيار بذاكرة نكبة، ونمر بحزيران فنستعيد النكسة وما غاب من وطن متبقي، أهو التاريخ حافل بالوقت كطبعه، أم هي ذاكرتنا ترسم الألم في مفكرتها أرقاما، وتستعيد مع كل يوم أشخاصا تهاووا ورقا في تاريخ فلسطيني خريفي .
أيلول ..... خريف أسود :  
يستعيد الكاتب الفلسطيني شريف سمحان في سرديته ( أيلول الأسود) سجلا نضاليا فلسطينيا في الأردن، هكذا تصبح دلالات اللون في التاريخ الفلسطيني صورة أخرى للألم، فذاك أيلول شهر خريفي ، مر عن أوراق الأشجار بكل تعفف، وتركها بكامل رونقها، وانشغل بأوراق فلسطينية، يعبث بألوانها، يشتتها، يلاحقها عاصفا في الخريف، صاعقا في الحريف، يدوسها، يحاصرها، يقيدها ويجبرها على الرحيل. لأيلول في الذاكرة لون آخر أسود .
سردية من طفل إلى طفل  :
جاء وعي الكاتب يقظا متناسقا مع احتياج الأطفال ، وشغفهم المعرفي المتأصل، إذ اختار السردية كنوع أدبي يكتب من خلاله التاريخ، فلا هو يكتب سيرته الذاتية بتفاصيلها كاملة،إنما جاء النمط الأدبي مقاربا من فكرة التأريخ  الشفوي، فهو لا يكتب رواية يصخبها صورا و أحداثا، كما أنه لا يكتب شعرا منبريا يخفت بريقه بعد أن يسدل الستار، إنما يستخدم لغة سردية هادئة، ذاتية في الأغلب، وتعكس رؤيته وذاكرته .

وعي اللغة لجيل يستحق المحاولة :
شريف الكاتب الفلسطيني يروي بسلاسة ولغة تحاول الحياد، و إن لم تستطعه دائما، إذ يشق على اللغة في محراب التاريخ أن تكون محايدة، على أن الأمر كان يستحق المحاولة، فالكاتب الذي يعمل منذ فترة طويلة مع الأطفال، ويقدم لهم مجلتي الزيزفونة الصغيرة والكبيرة للأطفال واليافعين ، بات يدرك أن الطفل على قدر كبير من الإحساس والقدرة على تشكيل واتخاذ موقف حيال ما يقرأ وما يجد وما يسمع، هكذا حرص الكاتب على صقل لغته لتكون سهلة سلسة، إذ نأى بها عن مفردات التحريض والتحامل، فلم يحاول سرد القصة كما لو أنها مأساة إغريقية عنيفة قاسية.
لغة مصقولة و إشارات لطريق تساؤلات:
التساؤل أكثر الطرق نجاحا في تشكيل الوعي الفردي المستقل للطفل، فهو يصوغ سؤاله، وهو يفتش له عن إجابات ، وإذ يستعيد الكاتب حكايته الخاصة التي شهدها مع صديقه عادل إذ لقارئه الطفل إضاءات سانحة لتحفيزه على التساؤل، فهو يتحدث عن دور الحزب الشيوعي الواسع والكبير آن ذاك، وعن دور متصل للفلسطينيين المنضوين في الحزب.إضافة إلى تطرقه إلى دور أجهزة الاستخبارات الأردنية في مواجهة نشاط الأحزاب واختراقها بغرض التتبع.
قلب الكاتب صفحات الأحزاب الفلسطينية وركز بشكل كبير على نشاط الحزب الديمقراطي، كما أشار إلى دور الفلسطينيين في الأردن،من الجانب الاجتماعي والسياسي، كما أشار إلى بداية بذور تشكيل الأحزاب الإسلامية الدعوية من خلال ما عرضه من محاولة رجال الدعوة في المخيم التقرب من عائلة عادل وتقديم الدعم المالي للأسرة، بعد هروبه من أجهزة الاستخبارات الأردنية، وتأمين دراسته في الاتحاد السوفيتي.
ويتطرق الكاتب إلى المد الإسلامي الذي بدأ يسود في المجتمع منتصف السبعينيات، ارتدادا للثورة الإيرانية، إذ ذكر الكاتب ظهور أخت عادل بغطاء الرأس في إشارة إلى بدايات التحول في المجتمعات، تبعا لاختلاف بوصلة الرفد المالي .
وتبقى فلسطين ذاكرة من وقت وتساؤلات برسم الإجابة .


تعليقات

المشاركات الشائعة