مسرحية صور من حياة غسان كنفاني

صور من حياة غسان كنفاني .
هذه ليست محاولة لإعادة صياغة سيرة غيرية لكاتب، ولا هي اسم لمعرض صور تجسد حياة الكاتب، كما أنها ليست اسم مبادرة شبابية صاخبة أو مسيرة شعبية ليست حاشدة، صور من حياة غسان كنفاني هو اسم لمحاولة مسرحية بأيد شابة تحاول صياغة الفكرة وصقل التجربة .
الهوية :
لقد جاء إثبات الهوية- الوجع الفلسطيني الأكبر الذي لا زلنا نخوضه حتى الآن، من خلال قيام شخوص العمل المسرحي برسم خريطة فلسطين التاريخية على منصة المسرح، رغم أن الرسم لم يتم بريشة أو قلم، بل جاء بعفوية إلصاق بعض المواد على أرضية المسرح، وربما جاء ذلك بهدف إثبات الوجود الفلسطيني و جعله لصيقا في الذهنية الفلسطينية حيثما حلت .
كنفاني وازدواجية الظهور  :
لقد جاء ظهور كنفاني في النص مواربا ، ففي البدء يعلن مخرج العمل وكاتبه أن نصوص وكتابات كنفاني هي المؤشر الذي يعرض من خلاله لحياته، وهذه محاولة فنية أدبية شائكة مرهقة ترفع مستوى الممسؤولية لدى المخرج والكاتب والممثلين، إذ يتبنون المدرسة الفنية الأدبية التي تدعو بتتبع الكاتب ومسيرته من خلال نصه، إلا أنها وفي الاتجاه الآخر نلمح تجسيدا حقيقيا لشخص الكاتب وبشكل جسدي منفصل عن النص في بداية العمل المسرحي ونهايته، ففي البداية يأتي ظهوره من بين الجمهور ، يلقي شريطا ورقيا أبيضا طويلا يدوسه عبورا إلى خشبة المسرح، حيث يجلس على كرسيه، وحوله الكثير من الأوراق وهو يرتدي بنطالا قماشا أسودا وجاكيت وقميصا ومع ذلك فهو حافي القدمين في نوع من المفارقة .
ويأتي الظهور في ختام المسرحية حدثا نافرا فطاولته وكتبه في مكانها، أضيف لها بعض مراسم الاحتفال ( جاتو يعمل عمر الكاتب 36 عاما ) وهو يحتفل وحيدا، تصخب الرصاصات حوله، حتى يقضي شهيدا.
النص وصناعة السيرة الغيرية :
إن فكرة استخدام النصوص لصياغة تجربة الكاتب الإنسانية ، فكرة هادفة واعية تستحق الاحترام والتقدير، فكنفاني الذي لجأ مع عائلته وهو في الثانية عشرة من عمره، واختبر اللجوء بين سوريا ولبنان، قبل أن يسافر للعمل في الكويت، ويعود ثانية إلى لبنان، يشكل تجربة حية لحالة اللجوء والارتباك التخبط التي عاشتها القضية الفلسطينية ، وصولا إلى ما نحن فيه الآن، وفي حالة خيال واعية تماما أكاد أرى كنفاني ي الأردن مطلع السبعينات، وفي لبنان مطلع الثمانينات، لو أن القدر أخطأه .
لقد كان لكنفاني القدرة على الوخز، بما كتبه، ناهيك عما كان لديه من فراسة أدبية ، فهو لم يقرع جدران الخزان فحسب بل شقها وهذا ما جعله رقما صعبا لدى القيادة يخافه الاحتلال، هكذا جاء اغتياله إيقافا لحالة واعدة في عمر مبكر.
وعي الألم ومكابدة الواقع :
في البدء جاء وعي الألم، وعي الفقد لفردوس البلاد المفقودة، شخوص في المكان، قد لا تعي هويتهم، هم أكثر عددا بكثير من أبناء أبي عثمان، يقشرون البرتقال ويلقون بقشره مستمتعين ببعض ما تبقى من البلاد، بعد صخب الرحيل والوجع وما خلفته العصابات الإسرائيلية .
وبرتابة مشاهد تقليدي نهم أقف بين ما يكتب كنفاني وما يكتبه الوطن من تاريخ، انتظر أن أرى خيمة ، حديثا عن خيام، عن واقع خيمة يأكلها المطر والحر والطين، وصوت سيدة تقول : خيمة عن خيمة تفرق، فتخلق بداخلها شخصا عدائيا، يحترف الفساد لإثبات الوجود، ل ولكن النص المسرحي أهمل بناء الشخوص وكينونة المجتمع، وقفز مباشرة إلى ما عكسه كنفاني في مراحل متقدمة في نصوصه حول فساد العابثين والطامعين المتسلقين فوق وجع اللاجئين البسطاء، كسرقة الطحين والمعونات وغير ذلك .
الانتماء في واقع مقفر :
لم نرى بنادق، ما من حروب ، كانت الحرب الوحيدة التي أشعلها النص هي حرب الفلسطيني مع ذاته، وحربه مع الفلسطيني، فأم سعد تصطدم مع المختار،  مريم تعيش صدامين مرة مع أخيها حامد، ومرة مع زكريا، وأبو قيس ورفاقه يعيشون صدامهم مع طمع أبو الخيزان السائق المهرب إلى بلاد الخلاص، وصدام اشتعل بين خلدون ووالده، ورغم أن النص لم يقدم الكثير حيال كل هذا التداخل فكانت الحركة صاحبة، الأصوات عالية، الموسيقى حديثة وجميلة، إلا أن النص المسرحي لا يعكس كنفاني ،ولا يصور نهجه في اختيار الكلمات، إن النص المسرحي اهتم بفكرة ضياع الانتماء التي جسدها كل هؤلاء الشخوص، لكنه أهمل مسببات ذلك :) الاحتلال، سوء عمل التنظيمات الفلسطينية ، القيادة، التداخل وهي مواضيع ناقشها أدب كنفاني أيضا)
تساؤلات :
لست واثقة من حصولي على إجابات لكني على أي حال لا أملك إلا التساؤل حيال ذلك :
·         لماذا عكست صورة المرأة بهذا الشكل في العمل المسرحي، أقحمت داخل الخزان وهي لم تكن حاضرة وشريكة في هذا ، ولماذا رأينا أم سعد تندب فالها وسوء فعل المختار مع ابنها، ولم نرها وهي الملهم لكنفاني في روايته، وكذلك لم يأت حضور مريم وأم خلدون واضحا في موازاة حضور غادة السمان وهي تتحدث عن رسائلها المشتركة وغسان كنفاني.
·         إذا كان نص كنفاني يحتاج إلى التعديل والتغيير والمواءمة كما جاء في حوار أبي الخيزران فلماذا نفكر بإعداد مسرحية تحكي سيرة الكاتب من خلال نصوصه، وهل تعديلنا مرض للكاتب .
·         لماذا جاء تجسيد صورة الفلسطيني خلدون بعد أن نشأ بين عائلة إسرائيلية ثابتا صلبا محدد البوصلة، وفي المقابل جاءت شخصية الأب الفلسطيني ركيكة ضعيفة، هل هذا ما عرضه الكاتب في نصه قائلا أننا على هذا القدر من انعدام الهوية وضحالة الموقف.
·         يموت كنفاني بين كتبه وأوراقه في المسرحية، على أنه اغتيل أثناء خروجه من الجريدة في حي الحازمية في بيروت، ولكن شخوص المسرحية يتخبطون في النهاية ، فهم تارة يقرؤون كتاباته، ويرددون بعض أقواله الشهيرة ، وتارة أخرى يشككون بملكيته لها، ( من قال إنها لكنفاني، هو كل اشي مكتوب عليه كنفاني بكون الو)
لماذا إذن يعتمدون على النص إذا كانوا يشككون بذلك في نهاية العمل، وهذا يضعنا أمام العديد من المخطوطات التي نشرت بعد وفاته، المسرحيات الإذاعية الأربعة ( الشيء، الباب، جسر إلى هناك،رجاء....)
والعمل الروائي من قتل ليلى الحائك، وبعض الأبحاث الأدبية .


تعليقات

المشاركات الشائعة