آخر القرن

أريد فلسطين أخرى.
قراءة في  رواية آخر القرن للكاتب أحمد رفيق عوض


رواية آخر القرن للكاتب أحمد رفيق عوض الصادرة عن دار رئبال للدارسات والنشر في طبعتها الثانية للعام 2014. تقع صفحات الرواية في 224 صفحة من القطع المتوسط، وقد صدرت في طبعتها الأولى للعام 1999 عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين.

أحمد رفيق عوض :
ولد في العاشر من آذار سنة 1960 في بلدة يعبد. وقّع قصصه الأولى باسم مستعار (فكري خليفة) في مجلة: «الفجر الأدبي» وهو في بداية العشرينيات ؛حيث كتب قصة «رجل تحت الاحتلال» عام 1984 في مجلة «الفجر الأدبي» وكانت من أولى القصص التي زاوجت بين فعلي الاحتلال والتخلف والأنماط الاجتماعية المتخلفة...وقدمت مضموناً مختلفاً غير سائد على مستوى الشكل والمضمون، وكانت شاهدة على أن المبدع الفلسطيني داخل الأرض المحتلة كان على وعي تام باللحظة التاريخية وشروطها وإفرازاتها.  أصدر رفيق عوض سبع روايات هي على التوالي: العذراء والقرية 1992، قدرون 1996، مقامات العشاق والتجار 1997، آخر القرن 1999، القرمطي 2001، عكا والملوك 2003، بلاد البحر 2006
الرواية .... التاريخ.... والجغرافيا :

تقلب رواية آخر القرن في صفحاتها صور النضال الفلسطيني والوجود التاريخي على الأرض، وغن كانت هذه الصفحات تأتي باسترجاع تاريخي وسرد جغرافي فإن هذا يرسخ الحق الحضاري والتاريخي والوجودي للفلسطينيين، كما في تسجيل الكاتب ورسمه لقرية البطمة وجذور وجودها التاريخي وما أحاكته الرواية الصهيونية لهذه القرية من قصص مغايرة. وهنا تقف الذاكرة لتكون المعلم الأهم الذي يصعب تذويبه وسحقه بكافة السبل.

استراتيجية التفاوض:

تقف " آخر القرن" في حدود مفاوضات تجري إدارتها بين الفلسطينيين والاحتلال الاسرائيلي. في حالة من انعدام التوازن يقف الفلسطيني ابن حيفا، السلوادي اللاجئ، الثائر، الغاضب، التائه في بلاد الأرض مناضلا، العائد إلى فلسطين إثر تسوية. بموازاة المفاوض الإسرائيلي المدجج بالحيلة، بالتزييف، بالرؤية، بالخرائط، بالوثائق، والعهود.

إن مشهدية التفاوض التي تقدمها الرواية، وما يقدمه محمود السلوادي من توصيات وتقييم لتجربته في الوفد المفاوض يبرز حالة من العبثية في الحالة التفاوضية، وشحها كوسام ختامي يتقلده المحارب في نهاية مسارة النضالي، وهذا ما يصل إليه السلوادي إذ يطلب التنحي عن مهامه في الوفد المفاوض وفرزه في منصب آخر.

فلسطين التناقضات:

تعرض صفحات الرواية لحالات عالية ومستويات متعددة من التناقضات والتشوهات التي رشحت بعد توقيع معاهدة أوسلو، وقد طالت هذه التشوهات طبيعة العلاقات الاجتماعية والإنسانية والشخصية بين الأفراد.

تعرض الرواية المفاوض والعامل في المستعمرات اليهيودية وكل من الأخوين يجد انه يبني الحجر الأول في طريق استعادة الارض، وبين التجار نرى صورة وسيم الذي يرتبط بعلاقات تجارية من الاسرائيليين، وقد وجد في المكان نجاحا لم يعهده عوضه عن سيناريوهات الفشل في أمريكا.

فلسطين أطياف ثورة:
وتأتي فلسطين بصورة أبو يزن الثائر عائدا لم يرخ الوطن عن راحتيه، وإن أرخى عن كاهله سلاحا بمخزن يسمع فيه صدى الريح، يسجل الوطن ثورة في شتاته، ويعود إليه محاولا أن يلعب دور ضابط الإيقاع لثوار عادوا بأحذية سوداء لامعة، وربطات عنق لم يجيدوا ربطها بعد، لينتهي به المطاف بمحاولة نشر ثقافته الفكرية إذ يطل من خلال مجلة ثقافية تتوقف عن الصدور في عددها الخامس إذ يدرك تماما إن الوقت بات متأخرا، وان لا مساحة الآن لهذا الدفق الفكري.

وفي مساحات أخرى نرى فلسطين دولة المؤسسات راعية نفوذ الشخصيات. تلك التي يكافؤ فيها محاربوها القدامى- إذ يجد أحدهم أن الوقت بات مواتيا للتنحي- بمؤسسة ما يديرها دون أن يبدو واضحا طبيعة وجدوى وصلاحيات عمل هذه المؤسسة، إذ يتخد محمود القرار بالاستقالة ليجد مكانا آخر في القطاع الخاص. وهي البلد ذاتها التي لا يتوقف فيها نفوذ نهى سليمان بعد استقالتها من منصبها إثر قضية مالية، لتؤسس شركتها التجارية الخاصة التي تظهر في نهاية الرواية بصورة القدر المشؤوم وكأنها الإطار الجامع الجديد لأطياف ما تبقى من نضال وطني مترهل، إذ يعمل في الشركة محمود السلوادي حامي وحامل حكايات الجدة رقية، المناضل، والمفاوض،مدير المؤسسة والموظف في شركة نهى، وكذلك نجد أسامة وهديل ابناء ماجد السلوادي الذي أوقف عمله في المستعمرات ليعمل أبناؤه في الشركة، ونرى صورة وسيم التاجر الذي يحرص على أن يجد لنفسه مكانا ونجاحا في النسيج الفلسطيني الجديد فيعمل هو أيضا في شركة نهى التي ترتبط بعلاقات دولية واسرائيلة .

أريد فلسطينا أخرى:

وإذ تجد الحكايات لنفسها طريقا للعبور إلى أماكن أخرى، يظل الصوت الأقوى والأكثر علوا في صفحات " آخر القرن"، إذ يبقى صوته حاضرا بعد وفاته وهو يبحث في البلاد عن فلسطين أخرى، ويعلو صوت أبو يزن أكثر:"أريد فلسطين أخرى" وكأن تلك التي عاد ووجد لم تكن هي التي حلم و أراد" أريد فلسطين أخرى.


تعليقات

المشاركات الشائعة