قراءة في رواية قطع من الفوضى

قراءة في رواية قطع من الفوضى  


رواية قطع من الفوضى هي عمل رواية صادرة عن المركز الفلسطيني للثقافة والإعلام للكاتبة منى النابلسي في العام 2012، ويقع العمل الروائي في 253 صفحة من القطع المتوسط، والكاتبة النابلسي روائية مقدسية، ولدت عام 1980،أنهت دراستها الثانوية في القدس 1998و عملت رئيس تحرير لمجلة القوارير، ورئيس تحرير مجلة الرحال الصغير للأطفال، صدر للكاتبة مجموعة قصصية بعنوان” لا شيء يستدعي الأناقة” عن مركز بيت المقدس للأدب2006، وهي عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين 2013،كما حازت روايتها عندما يصبح الصمت صاخبا على المنحة الأولى في جائزة الكاتب الشاب التي تنظمها مؤسسة عبد المحسن القطان2014 .


تستند رواية قطع من الفوضى إلى إشعال حالة مشحونة بروح عنوان الرواية بين صفحاتها ، وفي ايقاع رسم شخوصها اذ يتم تحديد الزمن الروائي بين العام 1998 حتى العام 2007 كزمن صاخب باللاوعي واللااتزان   
المساحة الجغرافية فيفلسطين .
تتناول الرواية واقع التغييرات السيادية والسياسية والجغرافية التي آلت اليها فلسطين وانتهت اليها وصولاً إلى السيادة التامة ، حيث اختارت الكاتبة نوعاً مختلفاً في تناولها في هذا الواقع السياسي الجديد ، وطريقة تعامل المجتمع مع ما أفرزته المرحلة من تغيرات من خلال واقع الجامعات الفلسطينية بشكل رئيسي ، إضافة إلى المخيمات ودورها في النضال ، والشارع المحلي وغير ذلك.

فوضى المكان الروائي  :
لقد عكست الرواية بوعي كامل حالة التخبط  المكاني الذي تعيشه القضية الفلسطينية ، وذلك من خلال تنوع المكان الروائي الذي قدم في الصفحات ال  253 ، وفي زمن الرواية المشار إليه سابقاً ، ففي الوقت الذي تتحدد فيه رام الله ومخيم الجلزون تحديدا كمكان رئيس لأبطال العمل الروائي إلا أننا   نجدهم يمرون في أماكن أخرى في استعراض لواقع المرحلة وما تحمله من تغيرات ، إذ تستخدم الكاتبة سجن عسقلان وحيثيات خروج قاسم منه بعد اعتقال استمر ثمان سنوات لإظهار صورة الاحتلال ، وهنا تأتي  صورة الاحتلال كعدو مباشر يقف قاسم قبالته نداً لند ، إلا أن صورة الاحتلال تبدو بشكل مختلف على أبواب الحرم الإبراهيمي في الخليل،فذاك الاحتلال يقف حارسا على أبواب المسج د، يشاطر الفلسطيني الأيام والأوقات والأماكن في الحرم ، وكذلك تقدم الكاتبة مدينة الخليل كأحد مناطق الحكم الذاتي آنذاك " أراضي الدولة الفلسطينية الآن)، كنموذج يبدي محدودية السيادة الفلسطينية على الأرض والمكان ، رغم وجود قوات الأمن الفلسطيني حديثة الولادة،وقد عرضت أيضا صورة السيادة المنقوصة في محاولة أم جمال استصدار جواز سفر فلسطيني وما عانته من انتظار ووقت ، حتى كان تدخل الرئيس بشكل مباشر سببا في استعجال حصولها على جواز السفر .
وقدمت الكاتبة المكان بشكل مرتبك ، لم يعكس دوما الهوية الفلسطينية ، حين تناولت القدس وعكا ويافا وحيفا كأماكن للتنزه والرحلات الجامعية ، وربما يعود ذلك إلى الواقعية المفرطة في السرد الروائي ، والاستناد إلى أبطال من الجيل الشاب نسبياً ، حيث لم يتم الحديث عن واقع مدينة القدس ، والاتصال التاريخي لمدن الساحل بالقضية الفلسطينية رغم أن مجدل تعيش في أحد المخيمات .
أما سوريا " خط الدفاع الأخير ، وخندق الدفاع الأول " فقد تم التطرق إليه من خلال تجربة جمال بصورة خجولة ، حيث لم يسهب العمل في السرديات التاريخية وانعكاساتها المحلية ، إلا أنه ألمح إلى ذلك من خلال العلاقة التعليمية " جمال يدرس الطب في سوريا ".

فوضى المصلحة الوطنية :
ليس لك أن تفهم كيف يمكن للفوضى أن ترتبط بمصطلح إيجابي كالمصلحة الوطنية ، ولك أن تسرح أيضا وتفكر بمتطلبات المرحلة ، لقد كانت هذه الكلمات وما زالت واحدة من المصطلحات السياسية الرائجة في الواقع الفلسطيني حتى الآن، والتي تعكس الرواية من خلالها تلك الفجوة التي أحدثها الانتقال من ميدان النضال إلى بناء المؤسسة الأمنية ومؤسسات السلطة الفلسطينية لتأخذ وبشكل تدريجي مكانها بديلا لمنظمة التحرير الوطني الفلسطيني ، حيث تناولت الرواية التحول من ميدان النضال إلى المكاتب الفارهة ، إضافة إلى انضواء الكثيرين من أبناء الحركة في إطار الأجهزة الأمنية الفلسطينية ، لقد أشارت الرواية أن المؤسسة الفلسطينية حديثة التأسيس ، وفي ظل ما تعانيه تحت نير الاحتلال ، لم تغفل عن مكافأة رجالها المناضلين حيث أولتهم مناصب قيادية كبيرة ، وبقيت على عهد الاهتمام ورعاية المعتقلين في سجون الاحتلال ممن لا زالوا يسددون فاتورة النضال من أجل الوطن ، ويظهر ذلك في أحاديث أصدقاء وأقارب قاسم ، الأسير المحرر الذي رفض أن يجني أكل نضاله ، وآثر أن يبدأ من حيث انتهى ، أي بإكمال تعليمه والانخراط ضمن النضال الحزبي لحركة فتح في الجامعة ( الشبيبة ).

الجامعة وفوضى الانتماء السياسي :
قدمت الرواية الجامعات كمدخل يؤسس للوعي السياسي لدى أبناء الشعب الفلسطيني ، ويعكس صور المجتمع آنذاك ، ورغم أن بعض الشخصيات كمجدل وثائر وسامر وهديل ، استندت الى الايدولوجيات مرتبطة بالوعي والتربية في إطار الأسرة ، إلا أن الجامعة كانت المكان الأوسع الذي فتح المجال للحوار والاشتباك والاختلاف مع الآخر الفلسطيني .
اهتمت الرواية بالحركات الاسلامية , واستعرضت طبيعة وجودها ضمن الاطار الزماني والمكاني المحدد ، حيث كانت هذه الحركات حدثاً جديداً غضاً في الواقع الفلسطيني تعود الى انعكاسات خارجية ، تعود الى نهايات السبعينات والعام 1987 فكانت تشكر نظاماً فكرياً جديداً في المجتمع ظهر من خلال آليات التعامل بين شخوص العمل الروائي والمظهر الخارجي لبعض الشخصيات ، إضافة الى بعض المناظرات والخطب التي قدمتها الانتخابات والمجالس الطلابية في الجامعة في بيرزيت.
المجتمع وفوضى الهوية :
بما يشبه الهدف الذهبي في لحظات المباراة الاخيرة كان تعليق المنظمة لمباحثات مدريد والبدء بإدارة مباحثات جديدة قادت الى اتفاقية اوسلو ، إن هذا الصخب السياسي والتلاحق السريع في الاحداث انعكس في العمل الروائي الذي كان ايقاعه سريعاً في عرض كثيرٍ من الأحداث المتلاحقة الصاخبة سيّما في نهاية العام 1999 وبداية العام 2000.
ساهم العمل الروائي في عرض عدد من الحوارات بين فصائل العمل الوطني وفصائل العمل الاسلامي ، هذه الحوارات كانت عبثية في أغلبها لا تفضي إلى شيء ، سجال عقيم في ساحات الجامعة وشجار على درج منزل أبو جمال في مخيم الجلزون بين الاشتراكية وبذور توجه اسلامي لم تنضج ، هذه الشجارات والحوارات التي قدمتها الكاتبة ضمن قالب اجتماعي أبرزت أزمة الهوية التي يعانيها المجتمع الفلسطيني المتأرجح بين الجذور الوطنية النضالية والتوجه الاسلامي الجديد الذي بات المجتمع ينحو اليه  بشكل تحفظ اجتماعي يظهر من خلال القشور والصور الاجتماعية للشخوص أكثر مما يبدو في وعيهم وتصرفاتهم.

فوضى الاشتغال في الحدث :
لرُبما يكون الزمن الروائي طويلا ولو كان يغطي مساحة أسبوع واحد مادام المكان الجغرافي فلسطين ، هكذا كان الزمان الروائي كبيراً متشعباً متداخلاً وهناك الكثير مما يقال فيه، لقد اعتنت الرواية ببناء الحدث والانتقال من زمن الحكم الذاتي إلى زمن مؤسسة السلطة الفلسطينية وزمن الاشتباك مع الاحتلال ضمن ما قدم من بدايات الانتفاضة الثانية التي ظهرت كانتفاضة بدأتها الحركات الاسلامية ضمن ما قدمته من عمليات تفجيرية في أراضي 1948.

فوضى بناء الشخوص :
في ظل واقع ارتباك الهوية قدمت الروائية أبطالها في حالة من الارتباك اللاواعي ، رغم أنها حاولت في البدء بناء ثنائيات ترتبط بين الأجيال والواقع الحالي والماضي النضالي ضمن هذه العلاقة الثنائية بين مجدل وقاسم ، مجدل الصبية الصغيرة ، وهو المناضل الفتحاوي الأسير المحرر ، وقد كانت محاولة بناء الثنائية واضحة عندما عرضت الكاتبة لمكانين مختلفين ، السجن والمسرح والمخيم في نفس الوقت في بداية الرواية ، لكن هذه الثنائية تعثرت بثنائية طارئة ظهرت بين قاسم وداليا ذات التوجه الاسلامي من القدس ، وربما يقدم هذا لطبيعة العلاقة بين حركة فتح والحركات السياسية الأخرى ، فقاسم يشعر بالتقارب من داليا ويطلب وساطة مجدل التي تمثل اليسار الفلسطيني ، ولكن داليا التي تمثل التيارات الإسلامية ترفض الزواج .
إن شخصية داليا تمثل ضمن ما تقدمه الرواية حالة اعتناق الكثيرين من أبناء المجتمع لتفاصيل التدين ، فهي تهتم للرداء والمظهر الخارجي وتنبري للدفاع عن الحركات الإسلامية ، لكنها تبدي ارتياحاً لانجذاب قاسم لها ، وفي الوقت ذاته ترتبط بعلاقة حب مع أحد حراس المسجد الأقصى.
لقد واجهت الكثير من الشخصيات كمجدل رائد ثائر جمال ، أطيافا ً من التغيرات ، وتركت باتجاه التحول إلى التشدد الإسلامي ، فمجدل تفكر بارتداء الحجاب ، وجمال الذي نشأ ضمن الاشتراكية السورية يحب فتاة متدينة ، وثائر يعيش ذلك التعلق بين التحرر والتشدد الإسلامي وريما المجتمعي ، أما رائد الذي نشأ في اطار ما عاشه المجتمع لوقت طويل من ارتباط بالأحزاب الاشتراكية ، فانه يتحول وبشكل جذري نحو الأحزاب الإسلامية ويكون قراره صاخباً وواضحاً حين ينفذ عملية استشهادية ضد الاحتلال في العمق .

وأظن وبشكل شخصي أن الشخوص كانت تحتاج الى تكثيف أكثر وعناية بآليات التحولات ، سيّما الجذرية منها أكثر من الاعتناء والاشتغال بتدافع الأحداث في الاطار الروائي ،إن هذه الرواية تسجل واقعاً فلسطينياً متخبطاً.

تعليقات

المشاركات الشائعة