الروايات العربية بدايات تحكي صوت المجتمع

الروايات العربية بدايات تحكي صوت المجتمع 

 برز في الوطن العربي العديد من البدايات الأولى لتشكل الأعمال الروائية بالشكل المتكامل الذي يتسم بكافة المقومات الفنية التي تعتمد عليها الرواية من مكان وزمان وحبكة فنية، وشخوص ديناميكيين وثابتين، ويتجه المؤرخون إلى اعتبار قصة " الهيام في جنان الشام" والتي نشرها سليم البستاني في العام 1871 في مجلة الجنان في بيروت نموذجا يمثل العمل الروائي الأول عربيا، وقد نقل سعيد البستاني هذا النوع الفني إلى مصر، فبرز العديد من الكتاب مثل طه حسين، محمود تيمور، عباس محمود العقاد ، وتوفيق الحكيم، وقد تنوعت انتاجاهم الروائية واختلفت وتعددت من حيث النمط السردي، وطبيعة الشخوص، والموضوعات التي يتطرق لها الكتاب في رواياتهم . وفي أعقاب ظهور أعمال روائية مثل رواية دعاء الكروان، سارة، عودة الروح ويوميات نائب في الأرياف، برزت العديد من الثلاثيات الأدبية حيث كتب نجيب محفوظ في مصر ثلاثيته المشهورة "بين القصرين  وقصر الشوق والسكرية "، وثلاثية الكاتب الجزائري محمد ديب "الدار الكبيرة ـ الحريق ـ النول"، وثلاثية الكاتب السوري صدقي إسماعيل "العصاة آل عمران والصديقان والعصبة "و لم يتوقف ظهور مثل هذه الثلاثيات ، فقد ظهرت خماسية عبد الرحمن منيف "مدن الملح"  وثلاثية أحمد عمر شاهين التي تناول فيها ثلاث شخصيات مختلقة من عائلة الشواهدي عاشت حياتها في مناطق مختلفة، في يافا وفي مصر وفي فرنسا.


الأعمال الروائية في فلسطين:

لقد كانت التجربة الروائية انعكاسا واضحا للحراك الفكري والثقافي والاجتماعي في المجتمعات العربية، إذ واكبت الأعمال الروائية العربية في موضوعاتها تطور المجتمعات العربية ونشأتها، فقد جاء الحراك الثقافي في فلسطين متأثرا بشكل كبير فيما تتعرض له البلاد من اضطرابات وتقلبات سياسية، إذ كان لوقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني أثرا سلبيا ألقى بظلاله على الواقع الأدبي الفلسطيني و أعاق نمو بذور الأعمال الأدبية ونضوجها، حيث حددت السلطات التعليم ببعض العائلات الموالية لها وجعلته حكرا عليها، ناهيك عن عدم إيلاء النقاد أهمية لبعض الأعمال الأدبية التي ظهرت في تلك الفترة، إلا أن الفترة التي أعقبت إصدار الدستور في العام 1908 شهدت حراكا ثقافيا كبيرا واسعا في فلسطين،فقد انتشرت المدارس الحكومية التي كانت تعلم باللغة التركية، وفي الاتجاه الموازي لعبت المدارس الطائفية -التي كانت تعلم باللغة العربية- دورا كبيرا في دعم اللغة العربية و إيقاظها من   سباتها، مما خلق حركة أدبية قوية،إضافة إلى انتشار الصحف، حيث صدرت في فلسطين تسع عشرة صحيفة في الفترة ما بين سنة 1908 ـــ 1914 ، و كانت صحيفة " القدس الشريف " أول صحيفة عربية تصدر في فلسطين في بداية هذا القرن ، وتعتبر صحيفة الكرمل أهم الصحف التي ظهرت في عام 1908. وقد ساعدت الصحف على نمو الحركة الأدبية عن طريق  نشر الأعمال المترجمة أو المؤلفة ، وأفسحت المجال أمام الأدباء لنشر إبداعاتهم الشعرية والروائية.وقد كان لهذا الحراك الأدبي والثقافي أثره في تشكيل العديد من الجمعيات الثقافية والأدبية والشعرية مثل  جمعية الغيرة المسيحية ، والإخاء العربي ، والجمعية الألمانية الفلسطينية ، وجامعة الأدباء ،التي ساهمت بدورها في رفد المجتمع الفلسطيني بالعديد من الكتاب والشعراء الذين قدموا أنماطا متعددة من الفنون الأدبية.

إن الاهتمام في المجال النقدي في الأدب في فلسطين كان الرافد الأكبر للحركة الثقافية الأدبية الفلسطينية، إذ كان روحي الخالدي أول كاتبٍ فلسطيني حاول إرساء قواعد النقد الأدبي على أسس موضوعية ونظرية ، وتابع خليل بيدس مسيرة الخالدي فألم بأهم عناصر الرواية، وترجمها من اللغات المختلفة وخاصة الروسية.كما قدم جميل البحري في العام 1920 عمله الأدبي الوريث الذي اعتبر أول عمل روائي فلسطيني في ذلك الوقت.
 وقد كانت البدايات الروائية مرتبطة بالواقع السياسي الفلسطيني، فقد قام نجيب نصار بكتابة رواية " مفلح الغساني" أثناء اختبائه إبان الحرب العالمية الأولي بين 1914- 1917، وتدور أحداث الرواية حول علاقة الأتراك بالعرب ، ومحاولة الجمع بينهم حتى يتمكنوا من الوقوف في وجه الاستعمار الغربي ، وقد نشر هذه الرواية  حنا أبو حنا.

وقد كان هناك العديد من المحاولات الأولى التي سجلت في التراث الأدبي الفلسطيني، وجاءت في وقت مبكر نسبيا وبموازاة الحراك الأدبي العربي وفي هذا السياق تأتي رواية مذكرات دجاجة للدكتور إسحق موسى الحسيني التي نشرت سنة 1943، ورواية في السرير لمحمد العدناني المنشورة عام 1946، أما رواية مرقص العميان لعارف العارف فقد جاءت عام1947،وكتب اسكندر خوري رواية في الصميم في العام نفسه1947.

          وقد شغلت السياسة حيزاً واضحاً في بنية الرواية الفلسطينية ، فظهر الصراع على الأرض جليا على صفحات الأعمال الأدبية والروائية، ففي رواية " حفنة رمال " لناصر الدين النشاشيبي قدم حبكة روائية قائمة على أساس الصراع على الأرض، فكانت البدايات الروائية الفلسطينية مرتبطة بآلام الواقع الذي أشعل مشاعر كتابها، إلا أن بعض الكتاب عانوا قصور أدواتهم الفنية وعدم تحقيق المواصفات الفنية للفن الروائي، فزودوا رواياتهم بالخرائط و الصور الفوتوغرافية.


تعليقات

المشاركات الشائعة