باسل يتعلم الكتابة

الكتابة واحدة من التجارب المتصلة بالنمو الفكري والاجتماعي للطفل، وهي مرحلة يبدأها الطفل مبكرا في منزله من خلال الخربشة العابثة،العفوية وصولا إلى مرحلة التعلم الممنهج في رياض الأطفال والمدرسة .
باسل يتعلم الكتابة:
باسل يتعلم الكتابة هي قصة قصيرة موجهة للأطفال واليافعين، من إصدار جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل في العام 2017، وهي الإصدار الثالث للكاتب السلحوت في مجال أدب الطفل من خلال جمعية الزيزفونة بعد رواية الحصاد و قصة الأحفاد الطيبون.
 يروي الكاتب جميل السلحوت - وهو كاتب فلسطيني من مواليد جبل المكبر في القدس في العام 1949، صدر له العديد من الكتب في مجال أدب الاحتفال واليافعين والأدب الساخر ، وأبحاث التراث الشعبي واليوميات والمقالات المتنوعة بين الأدبية والسياسية – في قصته باسل يتعلم الكتابة محاولات الشخصية الرئيسية (باسل) في تعلم الكتابة، إذ يحاول إمساك القلم بشكل صحيح في البداية، كما تفعل معلمته: ( يحاول أن يمسك القلم بأصابعه الثلاثة: الإبهام، السبابة والوسطى، كما تفعل معلمته ديمة) وتستمر محاولات باسل في البيت بمساندة أمه، حتى يتمكن في النهاية من كتابة اسمه بالعربية والانجليزية .
اللغة الأدبية والسرد القصصي :
اعتمد الكاتب في قصته على لغة بسيطة سلسة مباشرة، حيث استخدم جملا فعلية قصيرة، واستخدم كلمات واضحة لا تحتمل تفسيرات عديدة، وقد ساعد هذا في بناء قوام واضح متماسك متجانس للقصة القصيرة، فجاء السرد القصصي سلسا تراتبيا متسلسا، وكان هذا التسلسل واضحا في المكان إذ انتقل الكاتب بين بيئة المدرسة وبيئة البيت بوضوح ورشاقة لغوية، كما تسلسل في عرض شخصيات القصة بين باسل،فالمعلمة، فالأم والأب، وقد كان بناء الحوار والتواصل في القصة أيضا متسلسلا ففي كل مرة يعمد الكاتب على رسم مشهدية تعتمد على التواصل بين شخصين على الأكثر، فكان التواصل بين المعلمة وباسل، وبين الأم وباسل، وبين الأدب وباسل، إضافة إلى التواصل بين باسل والورقة، والقلم، ناهيك عن الحوار الذاتي بين باسل وهواجسه النفسية والشخصية .

التجسيد روح تغني النص :
اهتمت القصة بتنمية الخيال الحي للطفل، وخلق علاقة ودية بين الطفل ولقلم والورقة، حيث عمد الكاتب إلى تقنية تجسيد الورقة، وإضفاء الروح والحياة عليها، وصبغها بروح و طابع خاص، فهي تصفق، وتتحدث، وتحاور، وتشجع، وتواسي، وتنادي، كما أن لها قلبا يخفق وينبض ويتأثر، وهذا جعل منها واحدة من الشخصيات المشاركة والمساندة للشخصية الرئيسية ( باسل)، وساهم في تعزيز خيال الطفل القارئ .
الأم و زراعة القيم:
بشكل تراتبي عرض الكاتب دور الأم، في الوقت الذي بات فيه باسل يشعر باليأس والإحباط، بعد كثير من المحاولات وكسر رصاصة قلمه، ذهب إلى السرير، غاضبا حزينا، فجاءت الأم لتزرع فيه قيم الجد والمثابرة والاستمرار حتى بلوغ الهدف، وربما يستحضر الكاتب في هذه الشخصية دور رائدا لنساء في التاريخ العربي والإسلامي، فالسيدة خديجة بنت خويلد تساند النبي محمدا وقد جاءها مفزوعا بعد نزول الوحي فتهدئه وتذهب إلى ابن عمها ورقة بن نوفل عائدة بشروح وتفاسير لما حدث.
  تشرح لمى لطفلها أن التعثر في الكتابة أمر عادي في هذه العمر،وتشجعه على النهوض والاستمرار في المحاولة، ومن جهة أخرى تحرص الأم على غرس ثقافة الاعتماد على النفس والاستقلالية لدى الطفل،إذ كانت تكتفي بالتشجيع والدفع المعنوي باتجاه الهدف، وتضل على مسافة تحيط الطفل برعايتها ولكنها تحرص على أن يبقى معتمدا على نفسه،إذ تترك له فرصة الوقت للتجربة معتمدا على ذاته، وعندما جاءها وقد كتب اسمه واسم أبيه بالعربية والانجليزية قالت: ( كنت متأكدة من قدرتك يا باسل،لذل تركتك وحدك لتتعلم الاعتماد على النفس)
السرد القصصي وقيمة المشاركة:
غرست القصة قيم التشارك والتكامل في العائلة و أدورها من خلال دور الأم،وصولا إلى دور الأب، وقد كان انعكاس ذلك واضحا في وعي الطفل باسل حيث كتب في تعريفه عن نفسه :( باسل بن لمى ومعتصم)، إذ نلاحظ حضور اسم الأم (لمى) في بادرة وعي جميلة من الطفل الذي يعرف بنفسه ولا ينكر حضور أمه كجزء أساسي في هذا التعريف، إضافة أن وعيه قدمها على اسم أبيه، وربما يعود هذا إلى حجم وجودها وتأثيرها فيه في حياته، سواء كان هذا الحضور بحجم الوقت الذي تمنحه إياه، أو بحجم تأثيرها في هذا العمر، إذ يلاحظ ارتباط الطفل بأمه بشكل كبير في مراحل الطفولة المبكرة، وربما يتراجع هذا بالنسبة للصبية ليكون تأثير الأب غالبا أكبر في مراحل المراهقة والشباب.
وشاء المجتمع إلا أنه وعي الطفل :
يعود الأب إلى المنزل بعد يوم عمل طويل، يركض إليه باسل ليعرض له ما كتبه في دفتره من كلمات، ويسهب في الحديث عما تعلمه، وكيف تعلمه، ويضيف ما علمته إياه معلمته، وأمه، وإذ ذاك يعبر معتصم عن فخره به، ومحبته له وبحتضنه ويعيد الدفتر له، إلا أن باسل يسجل موقفا اعتراضيا سريعا على ردة فعل والده، ومدى البرود الذي تعامل فيه، فهو لم يقرأ ما في الدفتر، واكتفى بتعبيره الاعتيادي عن المحبة والفخر، دون أن يبدي الاهتمام، إذ قدم بعض القبل واحتضن ابنه، علل الأب ذلك بأنه متعب مرهق بعد يوم عمل طويل، شاق، إلا أن الولد يعود للمقاربة والمقارنة بين ردة فعل والدته ووالده وكلاهما كان في عمله وعاد متعبا بعد يوم شاق : ( أمي عادت من العمل تعبة أيضا، إلا أنها قرأت ما كتبت، وهي تعد الطعام في المطبخ) وهنا يقدم الكاتب لعدد من الأدوار التي تقوم بها المرأة وتحرص على أدائها بشكل كبير، وربما يأتي حرص المرأة مضاعفا لتعدد الأدوار التي يتوقع المجتمع منها القيام بها وبشكل جيد، ويبقيها دوما في دائرة النقد والمساءلة الاجتماعية .
  


تعليقات

المشاركات الشائعة