مسرحية كوابيس بحث في الشخصية السيكوباتية وانعدام المسار

مسرحية "كوابيس" لـ فرقة رسائل للفن المسرحي
 هي مسرحية تنتمي إلى مسرح العبث وهو مسرح جاء نتاج ظروف سياسية وعالمية ارتبطت بالحرب العالمية الأولى والثانية ودعت الأدباء الشباب الذين تأثروا بنتائج الحروب العالمية و رؤوا أن جميع النتائج التي نجمت عن تلك الحروب هي سلبية  إلى البحث عن أسلوب نقدي لإيصال رسالتهم ، حيث خلقت هذه الحروب ل نفسية سيطر عليها انعدام الثقة في الآخرين فكان انعزال والفردية بديلا، وقد قدم العرض بلغة عربية فصحى في محاولة لعوربة الأزمة الذاتية لدى المواطن العربي، وصبغها بالصبغة العربية، وقد أدى الممثلون عددا من الأدوار تنوعت بين الأب، الطبيب، الأم، الأخت، الطبيبة، الجدة، إضافة إلى الشخصية المحورية في العرض.
  مسرحية كوابيس تمثيل : نور دولة، معتصم أبو الحسن، أمل تكروري تميمي، وعنوة عرفات
كوابيس :
 تروي أحداث المسرحية حكاية شخص وضع في مشتشفى للأمراض العصبية والنفسية  علاجه، وتتطرق  المسرحية إلى الفساد والقضايا الاجتماعية الجدلية التي تنتشر بين شعوب العالم بشكل عام و بين الشعوب العربية بشكل خاص .
وبشكل شخصي أوحى لي المشهد الأول بمرافقة صوت محمود درويش، وشخص ممدد بزي أبيض على سرير، بأن المسرحية تروي ارتباكات و أفكار شهيد بعد لحظة إطلاق النار عليه، ولكني وبعد مشاهدة الأشباح تحوم حول الجثة، بدأت بتغيير تفكيري قليلا، وقلت ربما هو ميت وحسب وهذه كوابيس لحظة الوفاة، تبعا للقدسية التي نوكلها للشهداء، لكن المساحة المسرحة أعطت انطباعات أخرى أحب أن أوردها في حديثي .

زمان مسرحي مرتبك :
يستند مسرح العبث إلى الحوار بشكل رئيسي ويعتمد على تكثيف الحوار، وتقليل عدد الشخوص في العمل المسرحي، وهذا يشابه ما قدمه غسان كنفاني في مسرحياته الشيء، الباب، حيث كان المكان ضيقا، وتستخدم الشخصية في هذا المسرح الجمهور لتلقي رسالتها وكسب مساندته من خلال التماهي في الصورة.
 هكذا كان الوقت المسرحي مغيبا، غير محدد المعالم، إذ يصعب عليك معرفة الحقبة الزمانية فلسطينيا، و إن كانت حديثة- قبل الانقسام، بعد الانقسام، بعد المصالحة، قبل المصالحة، قبل حرب حزيران، بعد حرب حزيران، خلال الحروب 2006، 2008  في غزة أو الحصار في الضفة الغربية 2002 . ورغم أن الكاتب والمخرج  استخدما قصيدة محمود درويش ( حجر النرد) في بداية العرض لتأكيد المكان فلسطين.


مكان ضيق وشخصية مضطربة:
لقد جاءت المساحة المسرحية مكانيا محددة بمستشفى الأمراض النفسية والعصبية، هكذا قدمت المسرحية شخصيتها المحورية كأحد رواد هذا المشفى، ولا أدري تماما إذا جاء هذا بقصد روائي أم نوع من الإشارة إلى أن السائد الحالي في المجتمع هو حالة من الجنون العامة، والتي تجعل العقلاء _ إن وجدوا في هذه المجتمعات في مصاف المجانين- كما يقول المثل الشعبي ( إذا انجنوا ربعك انجن ودور معهن)، وبشكل عام تتصل هذه الشخصية السيكوباتية بمفاهيم تتعلق بانحراف الفرد في سلوكه بشكل مضاد للمجتمع، وسلوكياته وقواعده، ومعاييره، ويتسم هذا الشخص بأنه معاد للمجتمع.
بدت الشخصية غير ثابتة، وغير قادرة على بناء سلسلة انفعالية واضحة فكانت متمركزة حول ذاتها،تبادر إلى تفسير تعثرها بإلقاء اللوم على الآخر، الآخر العائلة، الآخر المجتمع، الآخر الحبيب، الآخر العدو الاحتلال، الآخر شريك النضال، ولكن هذا الآخر عرض بشكل غير واضح مراعاة لمقص الرقابة ربما. ففي كل مرة تسأل الطبيبة من ؟ يبادر بالرد: هم ، هو بدون توضيح ولك كمتلق أن تؤول.

الجذور النفسية والعبث:
عمد الكاتب إلى بناء جذور نفسية للشخصية وقد تنوعت هذه الجذور التي تفسر كيف خلق إحساس الاضطهاد لدى الشخصية، كفقدان الأم، النشأة مع زوجة الأب، وهو  أب عنيف مع أبنائه وزوجاته، وتوليد الإحساس بالذنب حيال موت الجدة، وفشله في بناء علاقة حب ناضجة، وعلاقات اجتماعية سوية، أو متينة على أقل تقدير، إن هذه الجذور وإن خدمت بناء الشخصية و أكدت ما تعانيه من اضطرابات ذاتية ونفسية، إلا أنها لم تكن جوهرية في بناء النص المسرحي، وبناء شخصية يفهم الهدف الرئيسي لها على نقل ما تعانيه بسبب التغيرات السياسية والسيادية، والقتل والدمار، والتخريب وغياب المؤسسة الأمنية، وانحراف بوصلة النضال، ناهيك عن تشتت المفاهيم الفكرية والنضالية والاجتماعية والإنسانية 

تعليقات

المشاركات الشائعة