رسائل إلى امرأة نائية........... رسالتي للبلاد

 رسائل إلى امرأة نائية........... رسالتي للبلاد
(رسائل إلى امرأة نائية )، على هذه المسافة المرتبكة من الإحساس بالمكان، بالجغرافية، بالواقع وصوت اليوم، و تأكيد الانتماء إلى جذور مراحل النشأة الأولى،تضحية للبلاد، وشغبا لرفض الاحتلال، وشغفا بحرية لا زلنا ننشدها، ولا زالت في الانتظار، سجل الكاتب والمفكر عدنان الصباح عنوان كتابه الذاتي ، ليحمل العنوان تلك الروح المثقلة الموجعة بكل ما فيه و فينا من ألم، قهر، ندوب، قروح، شجن، صخب، صراخ، و تطلع نحو الحرية.(رسائل إلى امرأة نائية )، كتاب يتضمن عددا من الرسائل التي تبدو ذاتية الصياغة للوهلة الأولى، و كأن صديقا يرسلها إلى صديقته، إلى أنها تكشف عن ستر عام، وطني، تاريخي، نضالي، وفكري،  صادر في طبعته الأولى للعام 2018 عن مكتبة كل شيء –حيفا ، ويقع الكتاب في 154 صفحة، وقد جاءت لوحة الغلاف بتوقيع الفنان التشكيلي محمد الشريف.  الكاتب عدنان الصباح مفكر وكاتب فلسطيني ، مؤسس ورئيس الحملة الدولية لتوثيق جرائم الحربعضو مؤسس لاتحاد الكتاب الفلسطينيين في القدس ،رئيس مركز جنين للإعلام ، صدر له العديد من الكتب الفكر وعي الفعل ،العرب بين الشخصنة والجتمعة،درب الخبز والحديد،برد الوحدة، من يوميات مواطن، مخيم جنين - ربيع 2002 بالعربية والإنجليزية والفرنسية.

 رسائل لامرأة نائية و أدب المراسلات:لا يمكن اعتماد هذا الكتاب كنموذج من أدب المراسلات الذي ظهر كفن منهجي خاص مدفوعا من مرسل إلى مستقبل لغاية ما، كتلك الرسائل المتبادلة بين الشخصيات السياسية والاعتبارية والقادة والرؤساء،لقد أدخل عبد الحميد الكاتب فن الرسائل في الأدب،كنموذج أدبي نثري، حيث نجد في التراث الأدبي العديد من الرسائل في العصور الأولى، كتلك الرسائل التي تبادلها الخلفاء، والشعراء و الولاة والسلاطين.الرسائل في الأدب العربي الحديث:   ظهر في الأدب العربي الحديث نماذج أدبية عديدة من النثر الذي قدم على شكل رسائل منها ما جاء كرسائل مباشرة، بين مرسل ومستقبل وحافظت على قيمة أدبية وفكرية، كالرسائل الشخصية التي تبادلها جبران خليل جبران و مي زيادة و غادة السمان و غسان كنفاني، إضافة إلى رسائل أدبية حملت معنى النصح والإرشاد كرسائل خليل السكاكيني التربوية لولده سري، و رسائل أحمد أمين إلى ولده وابنته.رسائل لامرأة نائية  شكل أدبي مختلف:ابتدع الكاتب لنفسه شكلا أدبيا مختلفا، إذ صنع من الرسائل وثيقة إنسانية فكرية تاريخية، وحضارية، يلقي بها لسيدة بعيدة يبتدعها، يخلقها من سراب، ليعلق عليها، خيباته، همومه  التاريخية المتلاحقة،و يسير بها في روح كلماته من جسر إلى آخر، من صفحة في سجلات العمر إلى أخرى.هي و هوية البلاد :لم يرسم الكاتب لتلك السيدة البعيدة ملامح تجعلها تتجسد أمامنا جسدا، إذ ظل يحاكيها لتكون الروح الجامحة الكبرى لكل وجع و ألم يعترينا، فالصّباح يكتب رسائله و ينشرها في الأعوام 2017-2018 والبلاد العربية مساحات جراح مشرعة، فدمشق تعاني قروح سنوات سبع من مكابدة طيش عابثين، ومصر تسير في نومها و تتعثر خطاها،و باتت العراق أسدا مكبلا  بقيود الوصاية ،مروضا وديعا مشتت الهوية، كل البلاد تضيع وجعا، من الشرق إلى الغرب، من أسيا إلى الدول العربية التي تغفو في صحراء إفريقيا .هكذا جاء اختيار الكاتب لروح تلك السيدة موفقا، فهي لم تكن موسومة بصفة ما، ولم تكن تحمل جنسية ، لا ندري كم عمرها، نعرف روحها لكننا لا نكاد نرسم ملامحها، تفاصيل جسدها، ولا ندرك تماما اهتماماتها، أي شغف تحمل، أي انتماء مذهبي، عقائدي، و إلى أي اختيار وطني تمضي، لكنها كانت مستعدة دائما للإصغاء: ( إنني أعتقد أنك من دون نساء الأرض ملزمة بالاستماع إلي).لقد أوحى الكاتب وصرح أحيانا كثيرة في رسائله عن قلقه حيال إحساس السيدة النائية تجاه رسائله، أتراها تقبلها أم لا، ألا تزال راغبة باستقبال مزيد منها أم لا، لكنه لا زال محملا بأعباء ثقيلة، ولا زال يرى فيها ذلك الكتف الذي يمكنه أن يقاسمه ثقل الألم، كانت امرأة من خيال، سديمية، فهو لم يغازلها تماما، لم يحبها  كما أحب نزار بلقيس، وظل دونها قهرا، أو كما أحب جبران مي  وظل دونها حبا : ( لست أعتذر عن اقتحامي انفرادك بذاتك، مع ذاتك بحثا عن ذاتك).
الحكائية  ( السردية) والمرآة :إن حالة السرد بين هو و هي النقش كهوية للبلاد، وهو المرسل الأنا الحاضرة تجعلني أعتقد أن الكاتب ابتدع هذه الشخصية نسقا من روحه، من ذاته، يحاورها، يراها، يحدثها بما يشبه الهذيان، وحديث النفس للنفس، و كأن شخصا يحاكي صورته في المرآة، وللخروج من حالة السيكوباتية النفسية و الحديث إلى النفس ، والإفضاء إلى المرايا، في حالة تجعل من النص حالة مسرحية، وتخرجه عن سياقه ككتاب فكري، فإن الكاتب ابتدع تلك الشخصية البعيدة القريبة، لتكون رجع الصدى، فنحن لا نحدث إلا من يشبهننا، ولا نفضي إلا لمن نرى فيه كثيرا من نفسنا، و لا نتماهى إلا إيمانا، ولا نقترب إلا إذا أحسسنا أمنا.إن هذا يظهر في اللغة التي تحكي الكثير عن هذا، وبصوت عال واضح، فهو يقول موجها حديثه للسيدة البعيدة: ( أتدرين أن النهار في بلادنا لا يبدأ بين الناس بالسؤال عن الطقس و أسعار العملات وحجم التداول في أسواق المال) فالضمير المتصل (نا) في كلمة بلادنا يفيد الجمع، فهو لم يقل بلادي، وهذا ضمير ملكية وليس ضميرا للغائب، أي بلادنا ( هو وهي ) وهذا يسير بي إلى التفكير أن تلك الأنا المبتدعة لتكون ( السيدة البعيدة ) هي انعكاس المرآة وحسب، وهذه تقنية جميلة و مبتكرة و إيجابية، ولا يمكن التوصل إليها مباشرة:( حين يثور البحر لا يجد متنفسا له سوى الموج، له منه وبه). هكذا يثبت أيضا أنه بحر وهي موجه المتداخل فيه.المرسل أنا:عنون الكاتب رسائله ب ( رسائل إلى امرأة نائية) إن مثل هذا العنوان يرفع من قدر الرسائل ويسلط الضوء على المرأة المستقبل للرسائل، لتكون بطلة الحدث وجوهر الحكاية، إلا أن ما تفضي إليه الرسائل حال نقرأها يظهر غير ذلك، فهذه ليست رسائل عاشق و إن أوحى بذلك بعض الأحيان:( منذ أمد لم يصدح هاتفي بنغمة رنينك الفيروزية، و لم يأتني صوتك، وكأنك تعتقدين أن العيش في أرض محتلة شرط بعدم الالتفات إلى القلب). ويتابع سامحي سوداويتي ولا تظني ذلك إمعانا بالابتعاد عنك، بل هو الإصرار على القدوم.) هكذا راوح الكاتب في إيحائه، مبررا حالة القلق والتذمر والشكوى، الألم والجرح الذي يملأ صفحاته، فهو الفلسطيني المثقل بالاحتلال، بمشروع تحرري لا يكتمل، هو الفلسطيني المحمول في سفينة لا تشبه سفينة نوح ولا تكاد ترسو في مرفأ،  وهو من جرب خيارات عديدة للوصول إلى حلول ولا زال يراوح مكانه، ويعود القهقرى كثيرا.هويتنا مساحات ألم:كان الكاتب معاصرا في سرده، تاريخيا مباشرا أحيانا كثيرة، إذ تحدث عن كثير من مؤتمرات السلام كأنبوليس مثلا، وسرد مسيرة مريرة من النضال الذي خاضه الفلسطيني بكل أشكاله، الاحتدام والمواجهة المباشرة، التصدي، المقاومة، الاشتباك، الأسر، الموت، الهدم، النفي، التهجير، الاستيلاء على الأرض، البيوت، الجدار وابتلاع الأرض وهوية الإنسان الذاتية، وامتهان كرامته بشكل يومي على حواجز العبور لا لشيء إلا ليصل بيته أو مدرسته، وربما جاء حديث الكاتب عن القدس وجعا أكثر مما نحتمل، فهي الجرح المفتوء دوما، المشرع على الألم، الجرح النازف، لقد أنجز الكاتب كتابه وصفحاته في وقت سبق ما آلت إليه القدس اليوم من جراح وما نالته من تأويلات دولية، وامتهان أمريكي لهويتها العربية الإسلامية المسيحية القومية الفلسطينية، لكن عمر القدس كل حين، وكل جرح في للقدس ينتأ جرحا قديما لم يلتئم، فلم تجرح القدس إلا في هويتها، وهي لا زالت ومنذ أول احتلال مضى فيها عابثا حتى مضى منها عابرا، تكابد صمودا لتثبت في كل مرة نقاء هويتها، ولتبقى دوما مدينة الله في الأرض والسماء.هوية واضحة متنكرة:كان الكاتب معاصرا ملتزما بجذوره الفكرية ومرجعياته الأخلاقية وانتمائه السياسي، فقد كشفت اللغة كثيرا من هذا، فإذ لم يقل في عنوانه رسائل فلسطيني إلى امرأة نائية، لكن تفاصيل الفلسطيني وهويته حاضرة، وسجله النضالي حاضر صاخب، أكثر من وضوح الكلمة، الثقل، الهم، الوجع، التراكم، القومية، التاريخ، والاشتياق لعصورنا الذهبية، والحلم بحرية ستأتي .x


تعليقات

المشاركات الشائعة