مسرحية جنان أم جرابات طوال ............ جنان و أسئلة البدايات المفتوحة


جنان و أسئلة البدايات المفتوحة

أكتشف الآن أن تلك الطفلة التي أدعيها في نفسي قد هربت مني دون أن أدري، مشاغبة لم تخبرني برغبتها في الرحيل،فتشت  عنها في أرشيفي القديم لنشاهد معاً عرضاً للأطفال ونتذكره معاً، فقد تابعته على شاشات التلفزيون، و قرأت بعضه، لكني لم أجدها تجلس إلى جانبي، وبقي المقعد إلى جانبي وكما العادة شاغراً، فحتى هذه لم ترغب بمرافقتي، كان عرضاً مميزاً، لكني لم أجد تلك الطفلة لأشارككم متعتها، لكن لدي الكثير من فوضى الكبار وغبائهم
لأقوله وفي كل وقت.  
تختلف الرواية دوماً باختلاف ساردها، لكل واحد رؤيته، صورته و فكره الذي ينعكس عفواً في روح الحكايات، والحكايات عمر مديد بين روح الحكاية الأولى، وصدى انعكاسها في عمر قرائها، و مشاهديها، هكذا جاءت مسرحية "جنان أم جرابات طوال" النسخة الفلسطينية لرواية الكاتبة السويدية استريد ليندغرين. تعكس ليندغرين جزءاً يسيراً من طفولتها في أعمالها،  حيث ولدت ليندغرين  في عام 1907، ونشأت في مزرعة في ريف محافظة(سمولاند). و في عام 1945، كانت الانطلاقة العظيمة كمؤلفة لقصص الأطفال (جنان ذات الجورب

الطويل) والتي تبعتها العديد من قصص الأطفال الأخرى.
حافظت الخطوات المسرحية "لجنان أم جرابات طوال" على الخطوط السردية العريضة للقصة الأم "بيبي ذات الجورب الطويل وهي من بين أكثر الكتب التى راجت في العالم كله. وتم ترجمتها إلى 70 لغة منها اللغة العربية، في العام 2009 عن دار المنى للنشر والتوزيع، ويقع 52 صفحة.  
مسرح الحرية و صورة (جنان):
قدم فريق مسرح الحرية المسرحية  في العام 2018، وهي بتأليف ومعالجة درامية مسرحية  لـحسن طه  و إخراج السويدي اريك بروزنر،  وتمثيل و أداء ميس عاصي ، ؛ ريم اللو، ورأفت لافي، احمد طوباسي، ومعتز ملحيس، وسماح محمود، بمرافقة التأليف الموسيقى للفنان لؤي بلعاوي و نور الراعي. .
 تجاوز المسرح الصفات الشكلية لجنان، ربما لتكون فلسطينية أكثر، فلا جدائل برتقالية، ولا وجه منمش،  وقد قدم العرض خلال مشاهده الثمانية :" جنان في قصر القصور،جنان تلتقي السيدة قرنبيطة، جنان تزور مدينة الملاهي، جنان  تواجه اللصوص، جنان  تناور الشرطة، جنان تذهب إلى المدرسة، عودة أبي جنان، جنان تجرب نكهة الوداع" صورة لفتاة مستقلة حرة تفعل الأشياء على طريقتها الخاصة، بشجاعة وقوة غير اعتيادية، وتردد دوماً، ويردد رفاقها أنها أقوى فتاة في العالم.

المبالغات الحركية في مواجهة الحروب :
ما أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها حتى تشكلت قصة بيبي ذات الجورب الطويل طفلة غرائبية خلقتها مخيلة كاتبة الأطفال السويدية ليندغرين اقتحمت العالم الشهيرة آستريد ليندغرين، كتعويض عما عاناه أطفال العالم من ويلات الحرب إذ أرادت لهم أن يكونوا على قدر من الحرية والصخب والمشاكسة على نسق بطلتها بيبي، الحرب لا تضع أوزارها في فلسطين، تبقى محملة من إثم إلى آخر، هي لا تستعر ولا تتقد، ولا تعلن نفسها، لكنها الحرب تتنكر بأسماء و مسميات و شخوص، ولا تغادر البلاد، ولا تنزح عنها، لكن ما تبقى من روح طفولة في أزقة الطرقات،والشوارع الضيقة يستحق هذه المحاولة في إيقاد شعلة الحلم والخيال في عيون الأطفال.
جنان تقرع الأجراس :
قدم العرض المسرحي خلال مشاهده أسئلة مفتوحة، تعددت من خلال ماهية صورة الأطفال، الحدود التي يرسمها لهم العالم، حالة التشذيب التي يتعرض لها الطفل ليصبح شخصاً مطابقا لمواصفات المجتمع، ويرضى عنه،ويظهر هذا في المشهدين الذين يقدمان صورة السيدة قرنبيطة وهي تحاول جذب جنان إلى بيت الأطفال( دار الرعاية)، وكذلك في صورة المعلمة في المدرسة، وكلاهما لا تختلف عن الأخرى، فهما وجهان لعملة واحدة وهي صوت المقبول والمتاح في المجتمع،وقد قدم العرض هذه الصور بحياد تام تاركاً للطفل التفكير و أن ينضح بما يفكر،رغم أن العرض اهتم برسم الملامح الشكلية لهاتين الشخصيتين، سمينة، ترتدي حجاباً ملتزماً جداً( ليس شالاً حديث الموضة وشبابي)،تنورة طويلة واسعة، لونها داكن،و قبعة لا تشبه التوربان، قبعة شتوية في وقت يوحي بالصيف، بقية الشخصيات على المسرح كانت ترتدي زياً صيفياً.
صداقات سريعة وعفوية:
سمر و سمير، جِرْسٌ مقصودٌ في الاسم،ليوحي سريعاً بالتناغم، فنفهم أنهما محض صديقين،هكذا دون أن نقول كيف، يمشيان معاً، يفكران معاً، و سمر تبدو ذات شخصية أقوى و أكثر حدة، وهي غالباً من تقرر من تحدد المسار، سمر وسمير يصادقان جنان، وهما من يبادران لذلك كما يبدو، رغم أن الاحتياج للصداقة فعل و رغبة تحتاجها جنان، أكثر مما قد يحتاجها سمر و سمير، وقد كانت أناقة و جودة الأداء واضحة رغم خفوت الدور و تأثيره البنيوي، وذلك لتراتب المشاهد و محاولة تكثيفها، فالصديقان يكتبان رسالة لصديقتهم التي لا تقرأ، و هو أمر غريب،لا يظهر تقبل الاختلاف بين تفكير جنان و أصدقائها، فرغم أنها قدمت لهم الرقص والغناء كلغة مشتركة بينهم، عادوا في الختام وودعوها بالرسائل المكتوبة، على أن جنان اختارت العودة لقصرها الصغير و أصدقائها و لم تسافر .
الأب و أزمة صناعة التغيير في مشهدية المسرحية:
الأب القرصان التائه، المسافر، المفقود، البعيد، صفه بما تشاء، تظل شخوص المسرحية تتحدث عنه، الغائب والحاضر بالحوارات، و حقيقة فقد غاب و جاب! على رأي المثل الشعبي الذي لا أخليه من نكهة السخرية، فهو لم يكن إلا لإثبات حالة التغيير في   الشخصية الرئيسية جنان، لا تريد أن تدرس،أن تلتحق ببيت الأطفال، لا تحب المدرسة، القراءة الكتابة، و يأتي هذا الأب ليقول لها عديني أن تفعلي كذا و كذا لتقول له آمين، هكذا بكل بساطة، ورغم أنها جادلت كثيراً في بداية المسرحية حول القضايا نفسها، وبشكل مقنع أكثر، وكذلك قال الأب آمين أيضاً و بشكل غريب و سريع حين قالت أنها لا ترغب بمرافقته في سفره،رغم أن مفاضلة علاقة بين ابن وأبيه وبين ابن وأصدقاء غريب جداً، هذا الأب يقف صلباً و كأنه مقاتل عائد من حرب في مشهد عودته، وتخلو ملامحه من اللهفة، والشوق، ويخلو حديثه من الشجون، لا صوتاً رقيقاً فيه،ولا حب ولا ذاكرة، وهو بارد في ردة فعله حيال رفض ابنته السفر معه، سيركب البحر و يمضي فهل جاء قرصاننا من بحر غزة بأمياله الستة التي لم يتبق لنا منها الكثير،وربما جاء من بحار أخرى و سيعود إليها، ويعود وحيداً لأنه كان هذا الأب الفلسطيني بارد الإحساس، ليس ثقيل الهيبة و الجسم، والصوت، بل ثقيل التغيير وغريبا في ذلك.
عرض به الكثير من الأسئلة لتترك الصغار يفكرون بذواتهم، بخياراتهم، بما يحبون، بما يحلمون، بالبلاد و نحن.


تعليقات

المشاركات الشائعة