لا تكن كومبارساً في تلك المسرحية ...... إعادة تشكيل الألم


لا تكن كومبارساً في تلك المسرحية ...... إعادة تشكيل الألم
رسائل للفن المسرحي، بهذا الشكل يتصدر الهدف عنوان الشخص ذاته، فهي تستخدم الفن المسرحي كأداة لإيصال رسائل مشفرة إلى جمهور معبأ، ولكنه لا زال على أمل، تعرف رسائل عن نفسها ببضع أسطر ضئيلة إذ تقول :" بشغف المسرح وبرُقي الأداء نرتقي بفن المسرح في فلسطين والوطن العربي، لنصل إلى المسارح الدولية في احتراف التقديم." ولا زالت الفرقة في أول برعمها، إذ لم أجد الكثير من المواد والمعلومات حولها خلال البحث.
الصورة المسرحية:
" لا تكن كومبارساً في تلك المسرحية" كان العرض الذي أشاهده لهذه الفرقة، بعد عرض كوابيس،و بنكهة المسرح الكلاسيكي تتابع هذه الفرقة أعمالها الفنية،  بتلك اللغة العربية الفصيحة،الدقيقة، بحروفها و مخارجها، وتقدم عبر مساحة مسرحية قصصاً لأربع شخصيات، و مشجب حديدي ممتد باتساع المساحة المسرحية، ليكون الإطار الجامع للكثير من الأشياء المعلقة عليه:( صور، ملابس، أوراق، عبارات توحي و كأن الأمر سياسي مثل " يسقط، عاطل عن الأمل، و بالشقلوب"، ملاقط غسيل إلا أنها كثيراً ما تحمل الصور وكأن الأمر يوحي بأننا أيضاً معلقون على حبال الغسيل، و ننتظر أن يجف عرقنا، حتى نحظى ببعض أمل و هدوء، ومرآة مكسورة ، وبعض الآلات الموسيقية المعلقة مثل الطبلة) إن هذه الأدوات استخدمت في إطارين، فهي صورة مشهدية للعرض المسرحي، تعالج حالة السكون في مساحة فضاء مسرح العرض، فبدلاً من اتساع الفراغ، جاءت هذه المواد لتضع الحضور أمام مشهدية ما، أما الإطار الثاني و هو ما لمحته حال دخولي العرض وهو إطار افتعال حالة التساؤل، و تحفيز الفضول النفسي لدى الحضور، سيما عندما رأيت أربعاً من الشخصيات، ففي كل لحظة صمت مسرحي،
كانت تأخذني الفكرة باتجاه النظر في الأشياء المعلقة، و توقع الشخص الذي تؤول إليه من بين الشخصيات.
مسرح العبث و صورة منتظمة:
لقد كانت صورة العرض حالة منتظمة فالشخصيات تجلس فوق صناديق خشبية تستخدم ككراسٍ خلال العرض، و كصناديق في أحيان أخرى، و كخزانة، و حقيبة، و كطاولة، و كسرير، و كمقعد حمام" سيفون"، وقد نظمت الصورة المسرحية بشكل يشبه المستطيل، تبعاً لشكل المساحة على منصة العرض، وكل شخصية من الشخصيات كانت تقف على رأس الزاوية القائمة في المستطيل، وهذا جعل الشكل المسرحي منتظماً، كما لو كان الواقع صفاً مدرسياً، ولم تتعدى حركة الشخصيات المساحة المستطيلة المرسومة للعرض، كما تم استخدام  رموز و أدوات للدلالة  على الشخصيات،ففي البوستر المخصص للإعلان عن عرض المسرحية، وفوق كل صندوق من الصناديق الخشبية كانت هناك دلالة على الشخصية،فالفنان المخضرم العريق تمت الدلالة عليه بزجاجة نبيذ حمراء، وعقد فضي للدلالة على الفنانة الشابة، وقبعة مهرج للدلالة على شخصية المهرج، و حقيبة أمتعة للدلالة على الفنانة الشابة الأسيرة، وقد كانت هذه الدلالات مباشرة و كان النص يطوف في أرجاء الحديث عنها وتأكيدها، وقد وقع كثيراً في فخ التكرار الذي لا يخدم تطور بنية النص.

العنوان و أزمة التفسير الحرفي:
فسر البناء المسرحي العنوان بشكل حرفي مباشر، في الوقت الذي كنت شغوفة فيه بالبحث في كينونة  كل فرد و تفسيره الخاص لكلمة كومبارس، هذا الدور الذي نلعبه باجتهاد و بشكل يومي في تفاصيل الحياة،دون أن يلتفت إلينا أحد،ودون أن يلاحظ أهمية لحضورنا، إذ اعتاد و جودنا واعتاد أن نقوم بدورنا وبشكل آلي، حتى بتنا كوبارساً، لا يهتم بوجودنا، ولا يدرك تماماً أهمية هذا الدور على صغره، لكن العرض المسرحي روى حكايات مباشرة لمجموعة من الممثلين، بهذا الشكل الذي يوحي للحضور، ولأكون منصفة أوحى لي على أقل تقدير أن الأمر لا يعنيني تماماً، فأنا التي أمارس في يومي دوري الهامشي ككومبارس على هامش الوقت، لم أجد نفسي خلال العرض ولم أجدني معلقة على المشجب خلف الممثلين بين الصور والآلات، ولكني وجدت أربع قصص جيدة تستحق أن يتغير عنوان المسرحية، لتأخذ حقها بشكل أفضل.
الفن ..... المسرح والقوالب الجاهزة:
قدمت المسرحية صورة عاثرة لفنان ممثل كبير في السن، مخضرم، قضى عمره بين أرجاء التمثيل،مشوار طويل لم يفضِ إلى شيء سوى عزلة ، ليبقى على هامش الحياة، يجلس ضعيفاً، ساذجاً، مع زجاجة نبيذ رخيص سيء المذاق، فارغة،وربما لو رأيناه يمشي في الشارع، ويشعر و كأنه فراغ غير مرئي لكانت الصورة أفضل،وبشكل عام الكثيرون يواجهون هذا المصير بعد إحالتهم على التقاعد، باختلاف المهن، فالأصدقاء يقلون، والهاتف يسكت تماماً عن الرنين، لكن التعبير عنه بهذا الشكل حدد الصورة الخاصة بالممثل، فكره، تفكيره، وثقافته، و حجمها بزجاجة نبيذ، موقفي هنا تجاه تحجيم صورة الممثل، وليس انتقاداً لاستخدام المشروب.
التمثيل المرأة والبلاد:
مر الكثير من الوقت، الكثير من الفنانات الممثلات، الراقصات، خضن صراعا مجتمعياً مريراً لإثبات جوهر وجمال و متعة ممارسة الفن كثقافة، وشغف، وهذه المسرحية قدمت شخصية الشابة التي تواجه العائلة، و بيئة العمل الفني، للوصول إلى الخشبة، وصول يحملها إلى عيون أحد المعجبين، الإعجاب، الزواج، فالانتقاد والإلحاح من أجل الاعتزال، هذه الشخصية عرضت وبشكل عفوي صورة أولئك الأشخاص الذين تزدحم بهم مقاعد الجمهور، وهم وعلى قلتهم، وبحسب العرض المسرحي يعيشون حالة شوزوفينا واضحة،فالشخصية تلتقي بشاب يعجب بها وهي تؤدي دوراً مسرحياً، يأتيها بالورد، بالهدايا، يتزوجها، ثم يطالبها بالاعتزال لتكون زوجة و أم فحسب، فتكون له بعقد احتكار إنساني.
صورة للبلاد:
عرضت المسرحية صورة الأسيرة التي تتعرض للعديد من الانتهاكات داخل السجن، الحديث عن الأسر، الاحتلال، الاعتقال، التعذيب، كان منطقيا، و مقبولاً، في سياق الحديث عن المعاناة التي بالانسجام، لكن النص ينفصل فجأة حين تبدأ الشخصية بالحديث عن دورها كمؤدية وممثلة، وعن حالة اعتقالها، وتعذيبها، ومحاولة سحب اعترافات منها، وتأتي الصدمة الثانية من خلال الأمر الذي يعرض في الختام و كأنه نكتة،حيث تم تحريرها لأن اعتقالها كان عن طريق الخطأ، ونحن في بلد محتل، وله أجهزته الاستخباراتية، والمعلوماتية، التي نادراً، وربما لا ترتكب أبداً مثل هذا الخطأ، هذا لا أقوله في معرض مدح الاحتلال، ولكن احتلالاً جثم فوق البلاد كل هذه المدة،لا يمكن أن يكون ارتكب هذه الحماقات.
التهريج والمجتمع:
أما شخصية المهرج التي عرضت في الختام، فكانت شخصية قدمت الازدواجية التي نعانيها كل يوم، حيث يتوجب علينا ترك أوجاعنا، وما يرهقنا، والخروج  إلى الحياة، بكامل القوة، والصلابة، ومحاولة تأدية دورنا بشكل اعتيادي. لكن الأمر بقي يراوح مكانه، ويتحدث عن ذاتية الممثل المهرج، ولا يخرج من هذا الإطار.      

تعليقات

  1. يسعد أوقاتك أختي سُعاد ،

    شكراً للقراءة التحليلية للعرض والنقدّ البنّاء وأعتبره بناءّ لمجرد أنه أخذ كل هذه المساحة للكتابة والتعليق على مجريات النص والشخوص .. قد لا أتفق مع بعض النقاط المذكورة وخاصة تلك التي توحي بأن النصوص كانت مباشرة في الطرح وذلك كون أن المسرحية إحتملت وتحتمل الكثير من التفاسير ونحن فعلاً قصدنا فتح المجال والفراغ للتساؤلات العديدة التي تختلف أجوبتها من متلقي لآخر ..

    بينما إذا ما تحدثنا عن مسرح العبث فهذا النص لا ينتمي للعبث بأي شكل من الأشكال فمسرح العبث منذ نشأته على يد صامؤيل بيكيت في مسرحيته الشهيرة (في إنتظار جودو) لم يقم بتفسير أي شيء ولم يقم بالإلتزام بأي قاعدة مسرحية لا من ناحية النص ولا الشكل ولا الحركة ولا حتى الديكور والسينوغرافيا واعتُبر ذلك بحد ذاته نوع مسرحي جديد سُميّ فيما بعد بالعبث . وقد ينتمي العرض للمسرح التجريبي أكثر من أنه مسرح كلاسيكي فلا يعني أن إستخدام اللغة العربية في النص يجعلها مسرحية كلاسيكية . والمسرح التجريبي هو أيضاً مسرح يكسر القواعد في أحيانٍ كثيرة ويخلط بين المدارس المسرحية بشكل واضح فأحياناً نرى مشاهد إحتفالية وأحياناً نعرّج على المونودراما أو المونولوج ، وإحتوى العرض مدارس أخرى كالمسرح البرختي المباشر واستخدمت الفانتازيا والكوميديا السوداء ببعض المشاهد والتحولات .

    بينما تفسير الديكور والإطار الشبكي المعلّق عليه كل الإكسسوارات فالقصد هُنا وكأننا نعيش في قفص يمنعنا من الهروب من هذا الواقع ونحن إذا لم نستطع خلق الفُرص سنعلّق أحلامنا وكلامنا وأدواتنا على الشِباك كما ننشر ملابسنا على الحبآل ، دلالةً على ما يحيط الشباب في واقعنا العربي من مصاعب وحواجز تحول بينهم وبين تحقيق أهدافهم وطموحاتهم ليضطر الشباب إلى تعليق فشلهم على شماعات مختلفة أولها الحاجز والإحتلال وآخرها حبل المجتمع المتقطع أصلاً .

    اما بالنسبة لقضية الإعتقال عن طريق الخطأ في مشهد نقاء فلذلك تفسير ودلالةُ وشواهد جمّة تحصل وحصلت مع الكثير من شبابنا وفتياتنا في السجون (الإعتقال الإداري : وهو إجراءً تلجأ له قوات الاحتلال لاعتقال المدنيين دون تهمة محددة ودون محاكمة) وقصدنا أن يكون تبرير الإحتلال سخيفاً كما سبب الإعتقال ، هل يستطيع الإحتلال تفسير وجود أكثر من 450 طفل أسير فلسطيني داخل سجون الإحتلال لم يتجاوزو 17 عاماً ؟


    بالنهاية شكراً حقاً لهذه الكلمات العظيمة والتي أُقدرّها وأحترمها وسأستفيد منها ولنعمل معاً على خلق دراما ومسرح أفضل يُساعد في عملية الغرس الثقافي للأجيال الحالية والقادمة لنعودَ أُمةً لا تهزم وشباباً لا يشيب .


    عدنان البوبلي - مخرج مسرحية لا تكن كومبارساً في هذه المسرحية . <3

    ردحذف
    الردود
    1. تحياتي ومودتي لك
      المخرج عدنان البوبلي
      سعيدة جداً باطلاعك على هذا النص و قراءتك،واهتمامك في الوقوف على كل جزئية تطرقت لها،لقد اخترت في عنواني الذي اخترته للنص الروح الأكبر التي حملتها معي بعد الخروج من مكان العرض،" إعادة تشكيل الألم"، وهو ما أحسسته كروح تسري في النص كله، هذا الألم الذي نعيشه جميعاً، وحقيقة لا نصنفه، فكل واحد منا له ألمه الخاص، الطفل، والشيخ، ألمنا السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والأيديلوجي،دون وجود قاسم مشترك بيننا.
      أعي تماماً أن لكل نص وعمل فني و مسرحي أعمار عديدة تخلق حال يبدأ النص المسرحي بالولوج إلى دور العرض، وبعدد الحضور في كل مرة يخلق عمر جديد لكل عرض،حتى أنني وإذ جربت مشاهدة بعض العروض أكثر من مرة، وحقيقة كل مرة كان يتكون لدي انطباع مختلف عن العرض ذاته، و أنا شخصياً أصر على تسمية ما أكتبه بالقراءة الانطباعية الذاتية للنصوص والأعمال، فهي ليست نقد تماماً، وفي كل مرة أبذل هذا الجهد الشخصي الخاص، و أحاول القراءة والبحث في بعض المفاهيم التي لا أدركها - حيث أنها مفاهيم اختصاصية منهجية.
      أشكر لك مرة أخرى اهتمامك ووقتك الذي بذلته في التجاوب مع ما كتبت، و أتمنى دائماً التوفيق للمجموعة.
      مودتي

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة