سنبقى .......... صوت الوطن الأعلى


سنبقى .......... صوت الوطن الأعلى

تقلب صفحات الإصدار الشعري الخاص الثاني للشاعرة فتحية عصفور " سنبقى"، لتجد هذا الصوت يسير معك من صفحة إلى أخرى إذ يقول : " ولا زلت أحس جسدي حياً، ينبض تحت التراب، وأسمع أصوات العابرين، بعضهم يذرف دمعاً، و أكثرهم يغسلون جسدي بعطر الورد)
الشاعرة فتحية عصفور شاعرة و مترجمة من مواليد مدينة جنين، فلسطينية، أنهت تعليمها الثانوي في دمشق، كما حصلت على إجارة في اللغة الإنجليزية و آدابها من جامعة دمشق ، صدر للشاعرة العديد من الإصدارات ( نداءات... مجموعة شعرية مشتركة)، ليتني مجموعة شعرية عام 2015، سنبقى ( مجموعة شعرية 2015).   
سنبقى هو الإصدار الشعري الثالث للشاعرة، صدر في طبعته الأولى عام 2015، عن المركز الفلسطيني للثقافة والإعلام/ جنين، وقد حملت صفحاته ثيمة الوطن على مدى 96 صفحة، اشتملت على ستة عشر نصاً شعرياً، متنوعاً بين الشعر المنظوم العمودي، والشعر الحر، وشعر النثر. عكست صفحة الغلاف هوية تراثية تظهر عراقة وارتباط  الإنسان الفلسطيني بالأرض،في جذور شجرة الزيتون وفروعها الممتدة، و اتساع جذوعها بما ينبئ بامتداد عمر الوجود الفلسطيني الحضاري على أرض فلسطين، حيث اختارت جزءاً من نص بعنوان " سأهزمكم" ليكون البوابة التي تقدم من خلالها الكتاب على صفحة الغلاف الخلفية :
" كما زيتوننا الرومي
جذور جذوعه امتدت
إلى أعماق ماضينا

العنوان و روح البقاء:
سنبقى هو ذلك العنوان الذي يحمل إيحاءات الوجود، والثبات الفلسطيني، بهذه الحروف القصيرة قدمت الشاعرة مساحات لزمن مفتوح بامتداد الوجود، حيث كانت المساحة الزمنية للبقاء مشرعة، مفتوحة على مصراعيها،وبهذا الامتداد جاءت موضوعات القصيدة الشعرية وطنية تحمل الكثير من الأحوال المستترة خلف كلمة سنبقى، نبقى ثابتين، واثقين، حاضرين،  متمسكين، حالمين، صابرين، متأملين، آملين بغد سيأتي.
زمن القصيدة :
تقدم الشاعرة قصائدها ضمن تسلل زمني متناسق، وكأن كل قصيدة تفضي إلى الأخرى، وتبني لبنة جديدة فوقها، وبسلاسة إثبات الهوية " فلسطيني" في البداية،الأرض فلسطين ومن التغني بجمال البلاد، ذلك التغني المفعم بالبعد، نتغنى بالجمال على مسافة من الألم، ثم الانتقال إلى الذات الشخصية فلسطينية إني .. وثوبي ذا يعرفني.... ومقلاعي ... وكوفية، وهذه الأيقونات شكلت جزءاً كبيراً من عمر البلاد إبان الانتفاضة الشعبية المجيدة 1987،و تتابع في سير القصيدة، تسرد ملامح النضال ثرى البلاد، أشجار الكينا،قمم الجبال مواضع النضال و أتون القتال، و أطفالا وسموا بالحجارة أداتهم الصلبة القاسية الأقوى في مواجهة آلة وجبروت المحتل،و إذ تقول( إني الفتى المقدام أقبل للردى... لا تسكبي العبرات أمي) تعد روح القصيدة لاستقبال روح شهيد على جوانب ثغره يبتسم القدر، يا من تدثرت بالشهادة ثوباٌ ثوب الجلالة والكرامة والقدر ،و من روح الوطن، وقف زمن القصيدة في أعتاب غياب روح القائد ( ياسر عرفات) الذي انطوت بغيابه مرحلة نضالية مديدة، لتبدأ مرحلة أخرى من النضال والسجال مع العدو الإسرائيلي على الأرض، بأشكال متنوعة ليبذل الشهداء، والأسرى من روحهم فداء للبلاد، للأقصى، للقدس.

الحوار ... قوة الحق:
بروح القوة قدمت الشاعرة عدداً من قصائدها مستندة إلى لغة الحوار والخطاب المباشر، كما لو أنها تحدث الشخص و توجه له الكلام مباشرة، دون فاصل زماني أو مكاني،وقد كان هذا واضحاً بصيغ عديدة مثل  الحوار المباشر والتهديد للعدو مثل قصيدة سأهزمكم: ( سأبقى السيف يقطعكم.... سأقهركم... إن الفر موعدكم .... سأرغمكم بأن الحق تعترفوا)، كما استخدمت النداء الهادف إلى الاستخفاف والتهكم بالعدو مثل : يا مارقينا ... يا سارقي أرضي كفى... أنتم لنا دويلة دخيلة  محروقة أوراقها،أنتم فلول تائهة)  وفي هذه القصيدة تستعيد الشاعرة بعبارات صاخبة الادعاء الإسرائيلي بما تعرض له اليهود في الدول الأوروبية من اضطهاد وقمع، وحرق إبان الحرب العالمية الأولى 1914-1918 وهو ما حملهم على البحث عن أماكن بديلة لتواجدهم( دخيلة محروقة أوراقها)، كما أنها تعيد الأمر إلى إسناد ديني مرتبط بالنبي موسى عليه السلام( أنتم فلول تائهة من عهد موسى ... مذ نفي بابل ) وقد كانت هذه القصيدة الأكثر حدة و مباشرة، وصرامة في أنواع الكلمات و دلالاتها المستخدمة، وكان الحوار فيها حاداً وباتجاه واحد، إلا أن فكرة الوصول إلى مرحلة بناء حوار مع العدو و توجيه الكلام له بشكل مباشر بصفته المحتل القاهر، القامع، صاحب القوة العسكرية، تعتبر نوعاً من القوة والثبات من الشخص الواقع تحت الاحتلال، المضطهد المقموع المقهور.
الأسماء والعناوين :
كانت عناوين القصائد عناوين مباشرة تعبر بشكل واضح عن مضمون القصيدة، و تحمل محتواها، وحملت نكهة فلسطينية ،فمن السهل أن تشعر خلال تقليبك عناوين الديوان أن تشعر بهوية وانتماء كاتبتها، وقوميتها العربية  وعتبها إذ تحدث زعماءنا وقادتنا، مستعيدة مراحل تاريخية بعيدة، و إذ تستذكر مجزرة صبرا، كجزء من الألم العربي القومي و الفلسطيني، وتمر على مدن تشكل حالياً محاور في مراحل الألم الفلسطيني، حيث تستذكر قطاع غزة، وتناديها و تحاورها كما لو أنها تحاور صديقاً بعيداً ( صبراً غزة)،( أنين جراحك سهم بقلبي و آهات طفلك تكوي الضلوع) .



تعليقات

المشاركات الشائعة