حركة بمحلها .......... مسرح المجتمع


مسرح المضطهدين .......... مسرح المجتمع :

يقدم مسرح عشتار مسرحية  حركة بمحلها كواحدة من المسرحيات التي تضع على عاتقها رفع لواء قضايا النوع الاجتماعي، وتلتفت إلى أنماط التمييز المبنية على أساس النوع الاجتماعي في سياق العمل الوظيفي خاصة، فالإطار الزماني مساحة مشرعة باتساع ما تعرضت له المرأة ، و وباتساع ما تواججه الآن في مضمار العمل العام، و لا يأتي استخدامي كلمة مضمار مغالاة في سياق ما يقدمه الزمن المسرحي من اختناق ذاتي في إطار ذلك الضحك المؤلم، المجروح، فالعمل المسرحي لا يندرج في سياق الأعمال الكوميدية الساخرة، و لا نراه عملاً يصنف بوجع في سجلات الدراما القلقة المؤلمة، يبدو العمل حاداً في نكهته، تماماً كما لو أنك تشرب كأساً حامضاً حاداً من الليمون المثلج في يوم عاصف، وذلك الكأس في محله تماماً! تلك الحركة في محلها تماماً . 
إن مثل هذا النوع المتماهي في العفوية التي تدفعك للإحساس كما لو أن خشبة المسرح ليست إلا مرآتك أنت، بإيقاعها القلق حيناً، الحاد أحياناً، المؤلم و المخيب للآمال حيناً آخر.

خشبة المسرح ...... لوحة شطرنج : 

في مكان يبدو ثابتاً كسرير تجلس فوقه ثلاث أخوات، إلى جانبه علاقة ملابس بألوان متنوعة، و أضواء تلتف حول الألبسة، وفي مكان ثابت هناك انفعال متحرك على مساحة الزمن، تهجس به لوحة شطرنج تتموضع تحت السرير، وتبقى الشخصيات تبحث و تتمنى حركة ما في هذه البلد، حركة صغيرة، ( في حركة...... عم بتحرك ...... حركة أخت شلن ........ هو في إشي بتحرك بهالبلد ..... عم بتحرك ) هي الحركة المأمولة التي لا تحدث، الحركة التي تبدو و كأنها الإشارة المأمولة الوحيدة للتغيير الذي لا يحدث على أي حال، وهو ما جعل النص يلتف على ألمه و خيباته، ويعود للحركة الممكنة الوحيدة ( حركة الجنين) عم بتحرك و كأنه مستعجل على الخروج و الانضمان لعجلة الحياة ( ما بيعرف شو بستناه فيها ) ! . 


المرأة و ميدان العمل المهني : 

قد تبدو الحكاية عادية جداً، ككل تلك الحكايات التي رويت و نقلت عبر الأثر عن جهود مضنية بذلتها المرأة في نضالها منذ المسيرة الاحتجاجية التي شاركت فيها آلافة النساء في نيويورك ١٨٥٦، وصولاً إلى ثورة النساء العاملات في قطاع النسيج في العام ١٩٠٨ ، تتغير الأزمنة و تتعدد الجغرافية وتظل النساء العاملات يواجهن تحديا يومياً في محاولة للحصول على حقوقهن المهنية ( بحيث يحصلن عليها كحق وليس كنوع من الهبة او المنحة التي عليها ان تشعر حيالها بالامتنان).
حركة  بمحلها مسرحية تعرض واقع ما تواجهه المرأة في في سوق العمل، سوق العمل المساحة الواسعة بامتدادها، فقد كان النص مساحة جغرافية مشرعة، إذ لا دلالة جغرافية يقدمها باستثناء ما توحي به لهجة الشخصيات،فلا زالت المرأة تواجه قيودا و محددات عديدة في عملها،تحد من قدرتها على الإبداع.

النص و حالة المواجهة:

وفي هذا السياق أجد استخدام كلمة تواجه حالة تنسجم مع احتداد صوت الفعل المسرحي أحياناً لسيدات ثلاث، لكل واحدة منهن حكاية ترويها في إطار الوقت المسرحي، فدنيا شابة حديثة التخرج من الجامعة، لا تجد فرصة سانحة  للحصول على وظيفة، إذ يفضل المشغلون السيدات غير المتزوجات، لتفادي الإجازات المرتبطة بإلإنجاب ناهيك عما واجهته من تذرع المشغلين بمحدودية الخبرة ، أما ”نوال“ المهندسة المجدة الدؤوبة ، تصطدم يومياً مع إدارتها المباشرة  في محاولاتها الحثيثة لانتزاع حقها في الترقية ، وتعرض  ”أماني“ نموذجاً  لشريحة واسعة من المجتمع، فهي المربية في حضانة أطفال، ورغم ما تتلقاه من راتب قليل،تظل  مضطرة لمواصلة العمل بسبب طلاقها وحاجتها لأي مبلغ مالي يسد رمق العيش.

الموسيقى و إيقاع الحكاية : 

لا تبدو الموسيقى عنصراً ثابتاً جوهرياً في كينونة العمل الفني المسرحي، إلا أنها استخدمت بطرق عديدة لتساند متن القصة و اتساقها،هو ليس عرضاً موسيقياً، ولا يروي العمل المسرحي خيبات عازف عود متأرجحة على درجات سلم، لكنه يبدأ بالموسيقى وكأن بالصورة تقول :" الصوت دوماً أصل الحكاية، احتياجك لأن تقول، لأن تروي، و ترفض أو الحكاية"،و إن كان العود يظهر كما لو أنه بُزُق صغير يقف بشكل طولي، ويسند نفسه إلى درجات السلم، و تبدأ الموسيقى بمرافقة لحظات اكتشاف الجمهور لملامح النص المسرحي، و شخصياته.
وتعود الموسيقى في بعض اللحظات المسرحية لتواكب الحدث الإنفعالي و تقف خلف ارتباك الشخصيات، وقلقها و احتدامها.

أماني ... شو دراما ؟ شو دراما!:

 
حملت أماني البعد الدراماتيكي الأكثر وضوحاً في المسرحية، وهي النموذج الذي يتضح من خلاله صوت شريحة من المجتمع، تزدحم فيه الأبعاد و الأسباب الاجتماعية ( تعرضها للانفصال بوجود ابنها الصغير) و تكاتف هذه الوسائل معاً، لتساهم و بشكل مباشر برضوخها لما تتعرض له من انتهاك لحقوقها المهنية،وقد توجهت الشخصية في حوارها مرة للجمهور حيث كانت تروي تلك المسيرة المهنية بعد حصولها على دبلوم التربية، وذلك الفرق الواضح بين ما يُفهم  ويعرف عن طبيعة المهنة، وبين الواقع الحقيقي في الميدان بموازاة انثنائها فوق أجساد نوال ودنيا وهي تقارن بجدية مطلقة بين حياة الجنين في رحم أمه وبين حياته بعد انفصاله عن حبلها السُّري - بما يكفل ترك الجمهور أمام حالة سخرية لاذعة واضحة -  إن توجه هذه الشخصية في سردها للجمهور يرفع كثيراً من الثقل عن كاهل النص المسرحي، إذ يخرج نفسه بهذا الشكل من بوابة تحويل الشخصية إلى شخصية نامية متحولة في الإطار المسرحي .
وقد قُدمت الشخصية بشكل رث، ترتدي فستاناً بثوثٍ طويل بصدر مترهل و فيزون أسود يبدو بعضه من تنورة فستانها، و شالاُ تعقده فوق شعرها بشكل غير متناسق، إن هذا الشكل يقدم انطباعاً نمطياً أولياً لهذه الشخصية، إلا أن تفاعلها الحواري في تعبيرها عن ذاتها و أفكارها يشكل مؤطرٍ و فلسفي يعرض صورة أخرى لها، الصورة الفلسفي التي واجهتها الشخصيات الأخرى بعبارة شو دراما ! الجملة التي يصلح أن تكون مساحة للتساؤل حول كل هذه الدراما الحياتية التي تعيشها شريحة واسعة من المجتمع، ويصلح أيضاً أن يكون تعبيراً استنكارياً حيال حالة القبول التي تبديها و الرفض الكامن الذي تعبر عنه .

نوال .... المرأة ثورة مش عورة:

نوال الشخصية التي لم تنل من حدود اسمها إلا مزيداً من المطالب التي لم تُنَل، الشخصية التي أبرزت و بشكل واضح قصور عمل المؤسسات النقابية، وعدم تصديها لقضايا المرأة العاملة وواقع ما تواجهه في ميدان العمل، فالبقابيون الناجحون انتخابات أو تزكية هم رجال، وهنا يبدو صوت نوال: ( كيف بدي ألجأ لكم و أنتم جزء كبير من المشكلة اللي بواجهها كل يوم؟! )لا يكفي أن تكون مجداً في عملك، لا بأس إن بدوت واثقاً، مهتماً بصيرورة العمل، جهودك مهمة و ضرورة جداً لنبدأ في الميدان، لكننا نريدها و نريدك مجرد حبر على ورق، كانت هذه هي الرسائل الكامنة التي قدمها مديرها في العمل، وهي تناقش معه حقها في الترقية، في الترشح للانتحابات النقابية، حيث انتقل من حالة رفضه لترشحها إلى قبوله المُقَنن حيث استخدم صورة الوردة و أول حرف من اسمها للدلالة عنها، وربما هذا يسحب الجمهور للتساؤل، هل هناك محرك ذكوري يتحكم بالصورة التي تبدو عليها المرأة في التشكيلات المرشحة لأي انتخابات قد تحدث في البلاد ؟

عرضت الشخصية مشكلتها و تحدثت بها في نوع من المواجهة، لتجد النصيحة المباشرة من زملائها ( تلحلحي!) المصطلح التي قدم للدلالة المباشرة على تعرض المرأة للمساومة  على حدود جسدها، وتعرضها للانتهاك و التحرش سواء التحرش اللفظي، ويأتي صوتها مشتركاً  ومتداخلاً مع أصوات أخرى ليكون المرأة ثورة مش عورة .

دنيا .... و انتظار حركة بمحلها:
الحركات بمحلها تماماً ثابتة لا تتغير،فهي لا تتوقف منذ بداية العرض المسرحي وحتى نهايته عن تقليب الفرص، والبحث عن عمل جديد يناسب درجتها العلمية أولاً، دينا تبدو شخصية نامية فهي في البداية تتحدث عن كفاءاتها، عن شهاداتها العلمية درجة الماجستير، التدريبات، العمل كمتدربة، عندما تكتشف أن هذا لا وزن له أبداً في ميزان المشغلين، فهي متزوجة و حامل بانتظار مولود جديد،وهذا يجعل أصحاب العمل يتجنبون تشغيلها تفادياً لإجازة الوضع، وساعات الرضاعة المنصوص عليها قانوناً، و نجدها في مشاهد متأخرة في ختام المسرحية تنفي أي كفاءات أو خبرات لديها و أي تدريبات، أو درجات علمية باستثناء الدرجة العلمية الأولى البكالوريوس، حتى نجدها في لحظة انفصال تام عن واقعها تجيب أحد أرباب العمل : ( نعم أنا عزباء)، في حالة انكارٍ تام للواقع الذي يحيدها و يمنح فرصاً لآخرين لا ترى أنهم مستحقين لها .

ما من حلول تقدمها النهايات، ما من شيء يقال، وليس غير الصمت الشيء الوحيد الذي يمكنك أن تخرج و أنت تحمله بعد 45 دقيقة متواصلة من الشغب . 

تعليقات

المشاركات الشائعة