الموسيقى والاستعراض و تداخل الرسائل :





الموسيقى والاستعراض و تداخل الرسائل :

مسرحية قملة  وسبون واحدة من المسرحيات الغنائية الاستعراضية التي هدفت بشكل أو بآخر إلى حمل رسالة تربوية تثقيفية للأطفال تدعوهم فيها إلى الاهتمام بالنظافة العامة والترتيب، و ممارسة عادات جيدة تضمن النظافة الشخصية للأطفال، وهي من إنتاج مسرح الحرية/ جنين  2019 وإخراج أحمد طوباسي .
وأدى العرض الممثلة سماح محمود بدور “القملة”، والممثل خليل البطران بدور “سبون” ويأتي هذا العمل من كتابة الفنان المسرحي المقدسي ميلاد غالب الذي بدأ دراسته المسرحية  في أكاديمية الدراما في رام الله،و استهل أعماله فيها بمسرحية ( حلم ليلة صيف/ من أعمال شيكسبير)،  ومسرحية رسالة انتحار من فلسطين، و(مسرحية حصار) في مسرح الحرية  
 تروي المساحة المسرحية وعلى مدى 45 دقيقة رحلة حشرتين طُفيليَّتين داخل شعر الطفلة لينا، تبدأ متون القصة في باب شخصيات متطفلة تبحث عن مستقر جديد لها بعد أن نفيت من موقعها القديم في شعر مازن، وتجد قملة و سبون ضالتها في شعر الطفلة لينا بعد إهمالها لنظافتها الشخصية و شعرها وجسدها، وعدم الاستحمام وغسل اليدين بعد وجبات الطعام،فيتغذوا على كميات الجراثيم والأوساخ في شعرها.

الغناء  والاستعراض ...... روح العمل المسرحي :
وحين تخرج من أي عرض تشاهده، تبقى تلك اللمحة الأقوى التي تحملها معك،مشكلة الانطباع الخاص و الشخصي عن العمل، وقد دخلت و أنا أفكر أن هذا عرض للأطفال، وأني لن أقوى غالباً على استدعاء ما يكمن بي من طفولة إن وجدت لأستمتع بالعرض،و خرجت و أنا أحمل معي ذاكرة من أغنيات و كثيراً من الحركات و القفزات والاستعراض، على أنني أتذكر وبشكل شخصي أن الأغنيات في دقائق العمل الأولى، تلك التي كانت تدعو إلى مزيد من العبث و التخريب و الاستمرار في الألم للينا كانت أكثر قوة، وسطوة، وحضوراً و جاذبية، من الأغنية الأخيرة في العمل والتي عرضت تحولاً سريعاً غير دراماتيكي، غير مفهوم في بنية الشخصيات، قملة و سبون في الختام يتحولان إلى دعاة للنظافة و الترتيب والنظام، و النظافة الشخصية، والمحافظة على الترتيب.
هو للأطفال ............ لكنه نص فلسطيني :
هو نص للأطفال، يحمل رسالة تربوية، عرض العمل من زاوية تلك الحشرات، وعرض وجهة نظرهن لأكثر من ثلاثين دقيقة، قبل أن تتحول بنية العمل باتجاه عرض تدخل الأهل، ومحاولة إصلاح الأمر،عرض الحكاية من منظور القامع و ليس المقموع، المُسيطِر وليس المُسَيْطَر عليه،وقد استخدمت هذه الكائنات كلمات توحي بالجبروت، والرغبة في التمدد، كلمات مثل ( الاستعمار) بكل ما تحمله هذه الكلمة من تداعيات في الذاكرة الشخصية الفلسطينية ، والجذور التاريخية لبدايات الاستعمار في العالم ، ثم الدعوة للتكاثر والتمدد( بدنا نكبر، وزرع البيوض، خليهن يفقسوا...) وهذا يظهر  بشكل أو بآخر ما وصل إليه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، من صراع على الحق، إلى صراع على الأرض، ثم إلى صراع ديموغرافي ، كما أنا دعوة الشخصية لزميلتها بالمحافظة على وجودها بالمركز للحصول على نسبة أعلى من الأمن، تعكس إيديولوجية احتلالية لا زلنا نعيش تحت نيرها حتى الآن،  وفي جانب آخر أظهر النص تلك الرغبة التوسعية و التمدد في تغيير شكل المكان، بدي أبني جيم (نادي رياضي)، وهون بدي ابني مول على الطرف جهة الذان، و الجهة التاني بدي اعمل ملاهي....) وفي هذا النص يبدو الكاتب و كأنه يحمل الكلمات روحاً نقدية تهكمية، منتقداً واقع التمدد الاقتصادي العمراني الفلسطيني، التمدد العمودي و الأفقي في العمارات التجارية، والذي لا يصحبه حالة رخاء اقتصادي بين شرائح المجتمع الفلسطيني .

المشهد ........ الصورة ...... والتناقض :
المساحة المسرحية تمثل فروة رأس بلون بيج ليس نقي، تشوبه الكثير من النتوء، خيوط تتدلى من أعلى لتعرض شكلاُ لشعر مجعد و قذر، أربع زوايا تظهر كما لو أنها ناب لوحيد القرن، لكنها ليست إلا خصلة شعر، تعلق بها الكثير من الأشياء، الأطعمة، وتشكل هذه الزوايا الأربعة، أو الشعرات الأربعة، مشجب الثياب، علاقة فوانيس و حبال الأضواء للاحتفال، ولا يمكنني أن  أخفي تلك الدهشة و أنا أنظر إلى المشهد المسرحي منذ بدايته، وحتى نهايته، دهشة لا أجد لها تفسيراً ممكناً، فالشخصيتان اللتان استند العرض عليهما، بمشاركة أصوات مثلت صوت لينا و أمها، ظهرتا بمظهر المستكشف،( الكشاف)، لا أستدعي شخصية روبنسون كروزو مثلاً، لكن الشخصيات تنقلت في المكان بحذر وشدة، سارت و كأن أحداً يلاحقها، انتقلت من الزاوية باتجاه العمق، الوسط الأكثر أمناً، الشخصيتان ترتديان ثياب الكشاف، هو ليس اللون البيج فحسب، إنما هي جملة من الأشياء والمكونات التي ارتدتها الشخصيات و استخدمتها الشخوص مثل :
قميص ذو جيبين على الصدر لكل منهما غطاء قلاب ، بنطلون- منديل- حزام، قبعة- عقدة للمنديل- صافرة - جورب - حذاء جلدي- بالإضافة إلى شارات مختلفة ، ناهيك عن فكرة التخييم و نصب الخيام، و إشعال الأضواء،الشخصيتان اللتان وصفتا بالمتطفلتين في التقديم الموجز الذي قدمه المسرح حول العمل يضعان على جيب قميصهما شعار كشافة بادن بأول التي نشأت كحركة شبابية تربوية تطوعية غير سياسية،هدفها تنمية الشباب ثقافياً وفكرياٌ،إن الحقائب و المعدات، يمكن أن تحمل وحدها معنى الاستكشاف  و السير في بيئة جديدة، لكن المبالغة في رسم صورة المستكشف في شخصية (قملة وسبون) قد يكون عاملاُ مضراً لبنية العمل أكثر منه دافعاً جيداً و محفزاً، ورغم أن الصورة جميلة و حيوية، لكنها قد تحدث هذا التناقض لشخص مثلي  ليس طفلاً كما يجب.



تعليقات

المشاركات الشائعة