الكراهية والعنف


تتغير الأحوال السياسية في العالم والعالم العربي بشكل متسارع ومقلق، إن ما يحدث من تغيرات حالية يعود بجذوره إلى طبيعة الأنظمة السياسية والبنيوية التي تكونت بعد سنوات مديدة من الاحتلال وما خضع له الوطن العربي من وصاية وحماية وانتداب، ثم انتقل بعد ذلك إلى بناء مؤسسة الدولة المستقلة بإدارات خاضعة لقوى خارجية،واقتصاد هزيل منوط بالمستعمرين، وقد أوجدت هذه الأنظمة مجتمعات غير متجانسة منقسمة على ذاتها، تفتقد الأمان في ظل  نظام دكتاتوري عميق، فتفتش لنفسها عن  ظل في فية طائفة أو مذهب.
إن الانتماء قيمة إنسانية فائقة، لكن التطبيق السلبي وممارسة الانتماء بشكل عنيف هو ما يخلق مجتمعات غير متجانسة، يسكنها الخوف، ويبقى هاجسها تعزيز قوتها الذاتية لنفي الآخر، فانتماء شخص لطريقة،أو فكرة أو مذهب أو طائفة يعزز إحساس الكراهية لديه تجاه الآخرين، ويمارس التهميش والعنف تجاههم، ويعزلهم عن مجتمعهم.

تناولت ممدوح عدوان الكاتب السوري في كتابه حيونة الإنسان الحديث عن الإنسان الأعزل مرورًا بدور الضحية في المجتمعات المقموعة، وأثر القمع على الجلاد والضحية على حد سواء ويُناقش كيفيّة نُشوء “الجلاد” كإحدى أدوات السلطة والحكم، وكيف يُولّد استبداد الحاكم مضطهدين مستبدين على بعضهم البعض. إن اعتاد السلطوي على ممارسة العنف يخلق في الشخص المعنف( الواقع عليه العنف) إنسانا متقبلا للعنف راضخا له،معتادا عليه إلى درجة لا يكاد يدرك فيها ماهية العنف الواقع عليه. ويتناول الكاتب جميل السلحوت في كتابه الجديد للعام 2017 عنوانا صاخبا ( ثقافة الهبل وتقديس الجهل) إن فكرة الكتابة حول الإسلام السياسي والمجموعات السلفية الأصولية التي قادت عددا من البلاد العربية إلى التغيير موضوع شائك،. هكذا يغامر جميل السلحوت جاهدا في وصف حالة الفوضى العربية السائدة التي لا زالت تراوح ذاتها، ومفتشا في سفر التاريخ عن جذور ومرجعيات تفسر الإرباك والفوضى الحالية. "جاء هذا واضحا في حديثه عن حركة الإخوان المسلمين في مصر خلال حكم 
جمال عبد الناصر، والعشرية السوداء في الجزائر 1992-2002، فشل مشروع الوحدة العربي مصر – سوريا
 1958،أزمة العراق – الكويت والمواقف العربية آن ذاك." وإن ما يحدث اليوم لا يختلف كثيرا عما تحدث به
 عدوان، وإن اختلفت أدواته حيث تسيطر الدول الغربية - بدعم حلفائها في الوطن العربي - بوسائل أكثر جدوى 
من خلال مواطني هذه الدول المسيطر عليها من المتزمتين و المتشددين والمنضوين تحت إطارات سلفية وهابية متشددة، حيث أطبقت الدول الغربية الخناق على الشرق الأوسط بأيدي أبنائه الذين تشددوا فكّروا، وقتلوا، واستباحوا، ودموا، هدموا حضارات شعوبهم و ثقافات ومستقبل أرضهم، ليكون اقتصاد البلاد ومقدراته الثمينة رهينة بأيدي الدول الغربية. "يذكر الكاتب تدمير جماعات مثل القاعدة لآثار عديدة مثل تمثال بوذا، وتدمير داعش لمدينة تدمر وعدد من الأماكن الأثرية التاريخية، ويقارن هذا بما فعله التتار في العراق ومكتباتها."

إن الواقع الحالي واقع مقلق يضع المجتمع في خانة الارتباك، فلا بد من محاولة تعزيز ثقافة قبول الآخر، والتسامح الداخلي في نسيج المجتمع الفلسطيني، بكافة أطيافه، والبحث عن السمات الجامعة للمجتمع و طبقاته، وعزل الخطاب الكراهية السادي ونبذ العنصرية، يقدم الكاتب عدنان الصباح في كتابه الذي صدر حديثا 2017 بعنوان (الفكر وعي الفعل)حيث ناقش الكاتب عددا من المفاهيم التربوية والأساسية في تشكيل الفكر العربي، 
وأدوات التعبير عن هذا الفكر من خلال حركة الترجمة والصحافة والنشر، وتناول تحديد أنماط الفعل المنبثقة من هذا الفكر، حيث ناقش مأسسة التعليم و آلياته، ومؤسسات التعليم في الوطن العربي، وتاريخ الحركة التعليمية، وبداياتها وما تعرضت له من انحسار وتقدم، واندماج بالحضارات الأخرى، وتأثر وتأثير من خلال البعثات التعليمية إلى الخارج، إضافة إلى واقع المؤسسة التعليمية والمؤثرات المحيطة بها، وانعكاس ذلك في بناء الوعي، كما تدرج الكاتب في الحديث عن الثقافة العربية والتنمية كمفهوم يسعى المواطن العربي للوصول إليه، والمعيقات التي ترتبط بالمشروع التنموي العربي، وتطرق الكاتب إلى مفهوم الحداثة والعصرنة والآثار التي تتركها في الفكر العربي ، مما انعكس على الفعل السياسي والفعل الذاتي الخاص للأفراد في مجتمعاتهم 

تعليقات

المشاركات الشائعة