ShowTime from the FrontLine

حول العرض 
يتتبع المسار المسرحي خطوات توماس الفنان المسرحي و الكوميدي البريطاني القادم إلى  فلسطين، لإنجاز بعض الدراسات و الأبحاث المهنية في بيئة ملتبسة مشتبكة كفلسطين، ليقدم المسار المسرحي في هذا الاتجاه عرضاً لفلسطين المحتلة بعيون الغرب، ، ويعرض المسار المسرحي بموازاة ذلك القصة المحلية و الرؤية الفردية لفلسطين بعيون الشباب الفلسطيني من الجيل الذي نشأ في رحم الانتفاضة الفلسطينية الثانية" انتفاضة الأقصى" عام 2000 من خلال  قصة علاء شحادة وفيصل أبو الهيجا و ببساطة اللحظة يقدمان الحكاية الشخصية لممثلين من جنين باشروا خطواتهم المسرحية الأولى في مسرح الحرية  في مخيم جنين ، وهناك الكثير ربما ليقال حول البداية من مكان متأزم بالكثير من الطموح والوعي، و مكتنز بالأمل.
وفي هذه الزاوية يمثل كل واحد منهم خصوصيته الفردية في طرح ذاته و ثقله و مجتمعه على خشبة المسرح،فيمثل علاء شحادة تجربة الفتى الشاب الذي نشأ في بيئة قروية " عجة"، فيعرض لتلك الأصوات الواضحة الصاخبة في ذاكرته وتلك الأماكن الحيوية،كالبيت، والشارع و المدرسة، والمعلم، و الأم، و الأب، والأقارب، و الجيران، وصوت رغبته الذاتية وحلمه الخاص وإن كان أقل حدة بفعل كل ما يجري في المكان. 
و يمثل فيصل أبو الهيجا صوت الشاب الفلسطيني اللاجئ، الذي كبر و ترعرع في بيئة المخيم، بين جدرانه المتخمة، وفي أزقته الضيقة،الكثير إذاً ليقال عن مرحلة الشباب التي رافقها أزيز الرصاص في اجتياح مخيم جنين، عن أقارب و أصدقاء رحلوا، وعن حلم مكتنز بالألم، تبرعم أملاً في عيون ممثل لا زال يحلم بغد يشبه الحياة.  

كوميديا المأساة ...... وطعم الليمون: 

أتساءل هل يصلح أن أقتبس من تراث أمهاتنا و جداتنا المثل الشعبي الساخر:" هم بيضحك ... وهم ببكي" لأقف أمام نفسي مفسرة هذه الكوميديا المؤلمة، أنت بحق تضحك حتى البكاء بحرقة، لا ليس ديكاً يرقص مذبوحاً، لكنه الألم المفرط الذي يصل بك حد التندر،أو لنقل أن الموت مؤلم في لحظته الأولى ربما، لكن الفقد يصبح أقل حدة مع مرور الزمن، هل أصغي لنفسي الآن حقاً؟ وهل أعي أني أقول أن الألم يصبح أقل كلما تكاثر؟! ربما لا أصغي لذاتي أبداً الآن، و أعي تماماً أن تفسيرنا للحظة يصبح عقلانياً كلما ابتعدنا عنها مكانياً و زمانياً، لكن مكانها في الذات، في القلب، في الذاكرة يظل نفسه جرحاً لا يندمل.
أفهم الكوميديا المؤلمة المستندة على الوجع، كما أفهم احتياج حلق جاف يعاني الزكام لكأس حاد من الليمون، وكثير من الزهورات و الأعشاب الساخنة.

 Showtime from the frontline

يُحْكي أن العرض: 

يسرد العرض المسرحي و على مساحة من الوقت التجربة الشخصية لممثلين شابين ذهبا في جولة مسرحية فنية إلى أوربا، ويروي في الاتجاه الآخر القصة الشخصية للكوميديان توماس الذي جاء في جولة بحث مهنية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، هكذا تحدث المقاربة و المفارقة على خشبة المسرح، على متن القالب الكوميدي، إذ تكون الكوميديا هي الوعاء الزمني الجامع، بينما تتعدد الأزمنة التي يتناولها زمن العرض المسرحي.
هناك قوة المكان ... وصخب الأزمنة: 

أنا من هناك ولي ذكريات،ربما لن أجد أفضل من هذا الاقتباس للحديث عن اختلاف هذه الأداة الظرفية المكانية " هناك"، هناك حيث ينعكس سحر المكان في التجربة" فلسطين" ، وتظهر قوة التحدي في خلق عرض ما يحمل هوية هناك هذه،رغم كل شيء، و رغم ما تعيشه هناك المكتملة المقسمة، المقسومة، والكاملة، هي فلسطين إذن، وهي هناك، و أنت من هناك ولك ذكريات. وهناك أداة ظرفية مكانية تقضي بوجود مسافة مكانية كبيرة، وهذا ما يحققه العرض، إذ يروي أبطال العمل حكايتهم مع المكان" هناك" فلسطين، على مسافة منه، خلال جولة مسرحية مهنية خارجية لهم في لندن. 
  مسافة حادة و عرض إلكتروني : 
تعرف هذه المسافة الحادة بين خشبة المسرح الجمهور، هي حادة جداً لدرجة قد تدفع أحد الحضور للبكاء، لمضغ شفتيه، أو تقطيب حاجبيه، هذه المسافة أصبحت أقل حدة إذ كان العرض متاحاً ولبعض الوقت من خلال رابط إلكتروني، ضمن عدد من العروض التي باتت متاحة إلكترونياً لبعض الوقت في محاولة للالتفاف على المأزق الذي تفرضه أزمة تفشي فيروس كورونا عالمياً،هذه المرة أسير و أنا أشاهد العرض،أتابع كثيراً من المؤثرات الخارجية، وقد أقرأ رسالة تصلني على هاتفي، وربما أجيب عليها لو كانت ملحة، وقد يدق جرس الباب فأفتح الباب و أثرثر ببعض كلمات الترحيب، و أنا لا أزال أتابع العرض إلكترونياً،" فرصة فريدة قد لا تتكرر كثيراً!"، ولكني على كل حال أحسست الفعل المسرحي، ومحاولة افتتاح العرض ببعض الترحيب،كما أحببت موسيقى الانتظار " كانت خمسة عشر دقيقة قبل أن يبدأ العرض وإن كان إلكترونياً، لكنه إيحاء مسرحي موفق، وموسيقى الانتظار( هي أكثر ما نعيشه وتعيشه فلسطين)  
ثلاث زوايا .... ثلاث هويات: 

هل أحكي لك عن ثلاث زوايا في العرض، وربما ثلاث هويات الفلسطيني اللاجئ، والفلسطيني الذي يعيش في الضفة الغربية المحتلة و الأجنبي، ( أعرف أن القصة استندت لمرجعيات شخصية حقيقية، تشكلت من خلال التجربة الذاتية لك، و لفيصل أبو الهيجا، و توماس، وهذه المرجعيات بذاتها وكينونتها حققت تنوعاً منطقياً: )مثلاً المواضيع المفاهيمية تناقش من زاوية الشخص الأجنبي، كمفاهيم الاحتلال، الصراع ، عبور الحواجز بشكل يومي،الأسئلة، ماهية الاعتصامات التضامنية، طبيعة نظرة الجهات الرسمية المنظمة لهذه الاعتصامات لمشاركة شخص أجنبي في أي اعتصام، فكرة إضراب الأسرى عن الطعام ، والدعم الشعبي، والخيام(. هذه المواضيع المفاهيمية التي يمكن استعراضها كمواضيع جدلية، كبيرة و متشعبة لزائر أجنبي، هي مواضيع دخلت حيز الاعتياد لديك، ولدينا فنحن من هناك frontline!

الذهنية الفردية وثقل التجربة : 
على مسافة من كل شيء قد أشعر و أنا أسترجع أجزاء العرض بزحمة و تخمة في المواضيع، هي كثيرة، لكنها جاءت غالباً في سياقها: البنى الاجتماعية في مجتمع يرزح تحت الاحتلال، العلاقات و طبيعة التفكير و الذهنية الفردية و الجمعية، والنقاش والجدل المتعلق بكيف نبدو، وكيف نحاول أن نبدو، إن حالة التوازن الجندري في هذا الجزء كانت محاولة عقلانية، رغم أنها تبدو مستحيلة في ظل الإطار الشخصي لشكل وحضور النساء في المجتمع.

سياسة و تعليم و كثير من الوطن! :
 في زاوية السياسة و التعليم و غياب الوعي، مرت اللسعة القاسية بخفة لأنك أسندتها لذاتك لتجربتك من زاوية طالب في المدرسة يرى في المناسبات الوطنية الجنائزية، والردح الجماهيري سبباً لكسب بعض الساعات في البيت أو في الحارة مع الأصحاب، إلا أن اللسعة كانت أقسى و أكثر حدة  حين عرضت الزاوية من اتجاه المعلمين المتظاهرين مثلاً و غيرهم من العاملين .ولسعة ثالثة ربما هي الأقسى، والأكثر حدة free….free  و بعد مسافة صمت تشبه  Backspace عالقة تأتي كلمة Palestine، أعرف بعض ما تيسر من قواعد الإملاء وصوت علامات الترقيم، و تؤلم اللسعة كثيراً .
ولنا كثير من وطن!

في زاوية الضفة الأخرى" الضفة الشرقية" المملكة الأردنية و البلاد - تجاوز إدعاء كوميديا الضم الحالية للأغوار-  فرغم بساطة المشهد المتمثل باتصالات هاتفية تتلقاها قبل بضعة أيام من سفرك، وكل قريب فلسطيني لاجئ او مغترب في الأردن يوصيك إحضار شيء له معك من هناكfrontline ، المشهد الذي يطرح ثلاثة أنواع من البضائع، و التي لا تحمل الهوية الحقيقية غالباً لفلسطين، لكن المشهدية كانت جيدة في تقديم الفلسطيني على أنه ذاك الآخر القادم من هناك، فكرة الآخر و هناك بالتناقض التام مع فكرة البلاد فلسطين.
المكان و الانتماء

هل أحكي لك عن المخيم و الهوية و الانتماء، " هذه الفكرة تركتها تحديداً لآخر الكلام، لأني أؤمن بأنه مكان حتى و إن كنت أمر عنه كثيراً، و غالباً أدعي أني لا أخاف من تفاصيله،زواياه، شوارعه، لكنه يبقى المكان الذي نعرف عنه القليل، و ندرك منه الأقل!" الرواية الشخصية المستندة إلى الأنا الفردية " فيصل" و المرتبطة ب الأنا الجمعية المناضلة" ابن عمه" فسرت بشكل إنساني أكثر منه ديناميكي العلاقة بين النضال و الفن، فالمقاوم يكون هدفه الحياة بشكل أفضل، و يصادفه الموت فجأة ،و كذلك الفن هو وسيلة للحياة و التفتيش عن مساحات أفضل للذات.الأمر ذاته تكرر في الحديث عن اللقاء بليلى خالد، رغم النكتة المرتبطة باستعادة نضال السبعينات في خطف الطائرات، لكن فكرة الخطف هي أيضاً تعكس تشبث المناضل بالحياة، و عدم بنائه من جسده جسرا للموت.صور الحياة و النضال تواترت بمشهدية مماثلة حين تحدث فيصل عن أصوات الرصاص، و اختلاف الرنين " رنين الرصاص" بحسب المناسبة" زواج، استقبال مولود جديد، استقبال أسير" ، أدرك التندر و الفكاهة في الصورة وفي صوت فيصل، هذه الفكاهة التي لم أكن لأحسها، و لن تكن لتقبل لو أنك أنت من قالها و ليس فيصل،فلرنين و مفهوم الرصاص في المكان أزيز  وهوية وقدسية خاصة، وعلى كل حال  ففي الصور الثلاث كان الرصاص أحد صور الحياة والبهجة والاحتفال و ليس واحداً من صور الموت: التحرر من الأسر، الأعراس، الاحتفال بمولود جديد وهذه خصوصية أن تكون من هناك from the frontline .
قليل من الأنا... كثير من الذات: 

مفهوم الجنس الذي كان خجولا في قصتك "علاء" و أنت تتبع إلحاح أمك بالبحث عن عروس" لقيتها ولا بعدك"!، كانت أكثر جرأة وضوحاً في المخيم، و ربما هذا من مفارقات المكان الضيق و المزدحم على الكثير من القصص، فهو يقدم أيضاً نموذجاً للنضال الديموغرافي، في حديث فيصل عن كيف يواجه والديه حظر التجول من خلال المقلوبة، تلك التي ينتظرها النهار كله ولا يجدها في نهاية النهار! كان نكتة صاخبة في كيف يبتكر الفلسطيني لنفسه أدوات جديدة يواجه بها قيوده مثل حالة حظر التجول، و كأنه يقول: " تمنع تجولي في الأرجاء، ولكن لي طرقاً أخرى لي فيها حق التجول و ابتداع آخرين مني."



تعليقات

المشاركات الشائعة