الفيل يجد عملا

الفيل يجد عملا



متن الحكاية : 
تتناول حكاية " الفيل يجد عملا" عبر خمسة عشر صفحة  مسير فيل يحاول أن يجد لنفسه عملا يقوم به، مهنة ما يمتهنها، الفيل الضخم يجرب أعمالاً كثيراً، لكنه لا يحترف أحدها، فالفيل يعمل في مخبز، يخبز فيه الخبز و الكعك، ربما كان عليه أن يخبز الكعك إلا أنه صنع كعكة ضخمة يمكنها أن تنافس وتدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية، كما يعمل الفيل في مصنع الأواني الزجاجية و الصحون، فيصنع صحنا كبيراً جداً، ويعمل الفيل في متجر لصناعة الأحذية، ويصنع حذاء، في الواقع يصنع فردة حذاء واحدة كبيرة بحجم قدم فيل، لم يستطع الفيل أن يتابع عمله في أي من الأمكنة التي ذهب إليها، لكنه أراد أن يخدم الآخرين بما لديه من حذاء و كعك و صحن، فذهب إلى الحديقة و صنع مما لديه لعبة و مطعماً للأطفال.




العنوان : 
يبدو عنوان القصة مباشراً أو هكذا يبدو، فالفيل يجد عملا، ماذا في الأمر إذن، ولماذا علي أن أقرأ وقد عرفت كل ما في الأمر! لكن القراءة تكشف لك تلك الخدعة السائغة في العنوان، لتشعر برغبة في نهاية القراءة بتدقيق علامات الترقيم و الضبط ليكون العنوان: الفيل …  يجد عملا! و برغبة أقوى بقراءة العنوان وأنت تمد كلمة الفيل مستغلاً حرف المد الياء و في جوفك شهقة شعبية ساخرة : الفييل يجد عملا! وربما هذا وحده يبرر أن يكون العنوان طويلاً وجملة فعلية وافية متعدية. 
اللغة القصصية: 
استخدم الكاتب لغة قصصية واضحة، سهلة، اعتمدت على الفعل الماضي التقريري الزمن المضارع مثل : خرج الفيل يبحث…، إلا أن هذه اللغة لم تكن قالبا واسعا لإنتاج حوارات حية مباشرة تساهم في بناء الشخصيات، إذ نجد أن صاحب الفرن، والمعمل و مصنع الصحون وجهوا أوامر عمل و مهمات مباشرة الفيل في يومه الأول، ولم يحدث حوار مباشر بعد هذه الجمل، الفيل انشغل في صناعة الأشياء بحسب ما يرى و ليس بحسب ما يجب، وهنا ربما لو حدث حوار ما لكان تم العمل بحرفية و إتقان أكثر! 
في المقابل نجد أن الفيل يؤدي حواراً ذاتياً داخلياً مع ذاته: " ماذا أفعل وأنا لا أستطيع أن أفعل إلا أشياء كبيرة؟!" 

الصورة القصصية: 
تقع القصة في خمسة عشر صفحة، تنفرد ست صفحات منها بالصور دون مرافقة الكلمات، و يستغرق الغلاف صفحتين وصفحة فاصلة بين الغلاف و متن الحكاية، و تتميز الصور الموجودة في القصة بأنها مرسومة بحجم كبير، و ألوان متنوعة كثيرة أغلبها ألوان صيفية فيها اللون الأحمر بشكل كبير، وهناك تركيز على ملامح الوجه، والعيون، فهي أكبر و أوسع مما تبدو عادة!


العمل صورة لتحقيق الذات: 
وبينما أقرأ و أتتبع خطوات الفيل، لا أستطيع إلا أن أفكر بماهية العمل، ما هو العمل الذي نريده، ولماذا نعمل؟ أيكون العمل بحثا عن تحقيق اكتفاء ذاتي مالي، أم هو محاولة لتحقيق الذات و الرغبة في إثبات القدرة على صناعة المختلف و المميز ربما؟! 
الآن وعلى مسافة من الوقت، و بقليل محدود من التجربة، أدرك أن العمل شيء ما أستطيع القيام به بشكل تقني مهما كان، لكن فكرة المتعة و الانسجام مع العمل الذي أنجزه فكرة لا تتحقق لدي إلا إذا كنت أحب الشيء الذي أفعله، لدرجة تجعلني أنسى إيقاع الوقت و ضوابطه.
في العمل إذن حاجة لإثبات الذات، و عكسها في الأشياء، فحتى طريقة تعاملنا و انفعالنا مع الأشياء يختلف حين نكون في إطار عمل ما.

العمل وعي لوجود الآخر: 
حين تطهو أمي كثيراً ما تفكر أي نوع من الطعام يجب أن تطبخ، هذا نحبه، هذا لا يفضله بعضنا، و أنا أحب الأكل الحار، و أختي تفضل الطعام بملح قليل، مساحات كثيرة للتفكير إذن قبل الوصول إلى منطقة وسطى.
العمل يفرض علاقة ما بين صاحب العمل" الحرفي" و الآخر" الزبون" طالب الخدمة، ففي العمل وضمن ما تفرضه هذه العلاقة فإنه يصبح لزاماً علينا وعي ما يحبه و يريده الآخر، وهنا لا أستطيع أن أكتم تساؤلي الذاتي: إلى أي حد يتوجب علي أن أعي هذا الآخر ووجوده و رغباته، ما اللحظة التي تصبح فيها مراعاتي لوجوده انتهاك لتصوراتي الشخصية، لما أحب، للشكل الذي أفكر به؟ وهنا ربما يتسع مدى تساؤلي لأكثر من علاقة مهنية، أتساءل ربما عن علاقتنا بكينونة الحياة ذاتها، وطريقة تعبيرنا عن الذات!
لا اسم إذن: 
الفيل يبحث عن عمل، صاحب المخبز، بائع الأحذية، صاحب مصنع الصحون، كل هذه كانت سماتا شخصية مهنية، أقرأ الكتاب لأكثر من مرة و أفتش عن اسم ما، هو الفيل، هو صاحب متجر، لكننا لا نعرف أسماؤهم، وهذه من السمات الخاصة المميزة، وهي رفع أهمية السمات الخاصة المميزة للشخصية، لتكون دالة خاصة فالفيل يتميز بالضخامة الارتفاع،وجود خرطوم، قدم كبيرة وجسم ضخم.
وكذلك الأمر بالنسبة الشخصيات الأخرى التي كان الأهم وفيها هو المهنة، فنحن لم نعرف أسماءهم، كما أننا لم نسمع حوارهم، ولا أحاديثهم.
حلول من ألعاب: 
وجد الفيل في الحديقة مساحة يستعمل فيها ما صنع، الصحن مسبحا و الكعك مطعما و الحذاء مزلقا، هكذا أصبحت أغراض الفيل حديقة و ملاهي للأطفال، وهذا جاء لرغبة الفيل في أن يقدم شيئاً مفيداً للآخرين، وقد جاء هذا في الصفحة الأخيرة من الكتاب، رغم أنني كنت أفضل عدم وجود هذا الحل في النهاية، حتى يكون هناك تداول أكثر وجدل حول الجدوى من العمل، وأهميته و دوره، دون أخذ قرار بضرورة أن يكون العمل مجديا و نافعاً للآخر بشكل قطعي.


 




تعليقات

المشاركات الشائعة