غزة .... ماذا الآن؟


يعرف مسرح الحرية عن غزة ... ماذا الآن عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قائلا:

"#غزة_ماذا_الان؛ عمل فني مسرحي للشارع من انتاج مدرسة الحرية للفنون الادائية حاول به تشكيل تلك الصدمة حتى يبقي الذاكرة حيّة حول ما حدث في غزة وتبعاته النفسية على سكان القطاع، وذلك للتعبير الإبداعي عما تركته تلك الأحداث من اثر في الوعي الجمعي الفلسطيني."


الآن المؤلمة:
غزة .... ماذا الآن؟ هل علينا أن نفكر بالسؤال مرتين، و نبحث في دفاتر اللغة عن دلالاته الخفية، ما من علامة تعجب صارخة فارقة، إذن نحن لا تؤنب غزة ولا نلومها، أصغي أكثر لصوت الكلمات، و حشرجة أنين مخنوق في الحنجرة، و ذراعين ممدودين، ينتهيان بكفين مفتوحين بعجز تام و قلة حيلة:"  غزة" ...... و خذ نفساً عميقاً طويلاً  مؤلما و كأنك تشعر أن كلمة غزة التي لفظتها للتو، سقطت في جوفك كما تسقط الدلاء في البئر، و بعد ذلك ستجد حنجرتك تجفل بذعر تام، ذعر يسكنه الألم، ليس عذرا مما مضى و انقضى، لكنه ذعر ما قادم رمادي شاحب، يعرفه الغزييون تماماً، فقد عايشوه ومضغهم على مهل في العدوان الإسرائيلي عام2008،2012،2014، أيام طويلة ييبتون فيها في مدارس مؤسسة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين"وكالة الأونروا"، الأطفال الذين لم يكونوا يحبون تلك المساحة المدروسة بحذر بين الطاولة و مقعد طويل مشترك لزميلين آخرين، يربطهما معا قطع من الحديد الصدئ المتهالك، باتوا اليوم مرغمين على النوم في مدارسهم، يفترشون المقاعد، ويدعون خيالهم الخصب، فيصير   المقعد سريراً،  وتصير البطانيات قارحة اللون، فماذا حريريا وفيرا في هذا الصيف الحاد.

ثرثرة فوق الجراح:
  على الأرض حديث طويل و ثرثرة عن إعادة إعمار، لنقل تعمير فالإعمار حالة متداخلة لقطاعات و زوايا عديدة، روح الإنسان أصعب ما فيها، بينما التعمير حالة فجة مجردة من التعامل مع الحجارة، وترميم الصدوع، يرحلون و نبقى نؤمن بهذا، والأرض لنا ستبقى!هل هذا ما يحدث حقا؟ على كل حال أكف كثيرة ستمد يد العون، و  ستأتي لتضميد جراح المكان و آلامه، المساحة ضيقة نعم، و متألمة كلها، مهزوزة مدمرة أركانها لكنها مازالت قادرة على الاصغاء.
هكذا جاء عرض " غزة .... ماذا الآن؟" الذي قدمه عدد من الفنانين والفنانات الشباب من طلاب مدرسة التمثيل في مسرح الحرية، كواحد من العروض التي تدرج فنيا تحت عنوان:" مسرح الشارع" و لأني لا أعرف الكثير عن هذا الفن، بحثت بشكل سريع عن ماهية خلق مثل هذا النوع من الفنون، فمسرح الشارع أحد الفنون التعبيرية الارتجالية التي يحكمها الموقف، أكثر مما يحكمها النص، تحكمها بيئة المكان المتحرك و المتحرر من خشبة المسرح، الستار، الإضاءة، و تراتب المشاهد، فالإنسان هو المشهد، و الروح هي حالة الخلق الوجودية التي يتبعها الفنانون و يتفاعل معها المارة و المشاهدين بعفوية ردة الفعل الصاخب و المباشر، و غير المدروس، فما من مخرج يبذل قصارى جهده ليبدو المشهد أنيقاً عله يجني كثيراً من التصفيق في لحظة إسدال الستار.


ارفع الستار رجاء:
مسرح الشارع لا يسدل الستار إذن، بل يرفعها عن ذهنك علك ترى الألم بوضوح أقوى، و ربما كانت حالة اجترار الألم سهلة غير مكلفة، ولا تحتاج لكثير من المكياج المسرحي لصياغة الألم، و صناعة الوجع، ففنانو مدرسة التمثيل في مسرح الحرية في جنين جيل شاب تعكر صفو طفولته في احتياج قوات الاحتلال الإسرائيلي عام ٢٠٠٢، وعليك أن تخصص كثيراً من الوقت لتصغي إلى ذاكرتهم الحية و اليومية لكثير من الاقتحامات اليومية التي تسرق النوم من جفونهم كثيراً، و تخطف أعمار أصدقائهم و أهلهم أحياناً. 
يطوفون الأماكن، في محاولة مجروحة تسيل دماؤها، كما لو أنك تدوس الروح بعصا نتئة، لكنها تظل تصرح محاولة إستعادة روح الحياة، و الاستماع مجدداً لصخبها، من الشارع، لا بد أنك ستلاحظ خطواتهم، و ربما ستقف بعيداً متأملا، و قد تمضي متعجلا فلديك كثير من الأعمال والأوراق التي لا تنتظر لحظة انقضاء الألم، أو تقفين خلف زجاج النافذة، و تشقين ممرا ضئيلاً لانعكاس الضوء من خلف الستار، و تحدقين بهؤلاء المارين بين همومنا اليومية، و أوجاعنا، و لحظاتنا، أحلامنا التي لا زالت برهن الانتظار، يمرون و تمشي الذاكرة في روحنا سكيناً مؤلماً، فوحدنا نعلم أن كل الجراح تندمل، لكنها الندوب تظل حاضرة و تحفر عميقاً في الروح و الذاكرة.

تعليقات

المشاركات الشائعة