الحذاء الثقيل... قصة للأطفال

https://fb.watch/v/35eJOUm8M/ 

يبدو متن حكاية الحذاء الثقيل بسيطا واضحاً، يستخدم مبنى حكائي سردي مباشر، و يوظف ضمير المتكلم "الأنا" في السرد، فالصبي يصحو من النوم،و يلقي التحية على والديه، يرتدي ثيابه و يلبس حذاءه و يسير إلى المدرسة، يقضي يومه الدراسي و يعود إلى المنزل، هل كان نهاره بهذه المرونة حقا؟!


الحذاء وحديث جيلين: 

في حديث صباحي يستعيد الأب ذكريات يومه الدراسي الأول، وعندها يضحك الابن ويقول: لو كنت صغيراً يا أبي للبست حذائي و ذهبت مكاني، و هنا استخدم الحذاء للتعبير عن الدلالة الزمانية، و الفرق الضمني بين الأجيال، فحذاء الأب يختلف عن حذاء الابن، و الاختلاف هنا ليس متعلقاً بالشكل أو الحجم، بل بدلالة الدور الذي يقوم به من يرتدي الحذاء، و يشار إلى ذلك بوضوح أكبر في نهاية القصة عندما يفكر الصبي ما ذو ارتدى حذاء والده و أدى عمله نيابة عنه!



https://fb.watch/v/35eJOUm8M/

ضع نفسك مكاني:

" طب حط حالك محلي!" و كما يقال في المثل الانجليزي put your self in my shoes و كأنك في لحظة ما تشعر و أنت تقلب كلمات و لحظات هذه الحكاية بروح هذا المثل بحرفيته، و بشكل مجرد، فالحذاء كان ميدان الانفعال النفسي و الحسي في الحكاية، يرتدي حذاءه ويطير إلى المدرسة، و يحس الحذاء خفيفا كالريشة، يلعب الكرة مع أصدقائه في ساحة المدرسة،و يرمي و يمرر الكرة بحذائه، و يشعر أنه قوي كميسي" لاعب كرة إسباني شهير"، و ينتابه شعور من التوتر و الخجل في الصف في حصة الرياضيات، لأن معلم الرياضيات وبخه لعدم معرفة الإجابة الصحيحة: " ينهرني المعلم و يقول : أيها الولد الشقي يبدو أنك نسيت الرياضيات في العطلة الصيفية!" فيضحك الزملاء في الصف، فيخجل و يفكر: وزملائي يضحكون فهم ليسوا مكاني!".


الرياضيات و أقدام الفيل:

أما الحصة الثالثة فهي الرياضيات، كم جميلة تلك الدقائق الأخيرة من الحصة التي نهرب منها سريعاً إلى الفرصة" الاستراحة " و اللعب في الملعب، في حصة الرياضيات مسألة لا بد من حلها، و أرقام يجب جمعها، و نتيجة علي التوصل لها، في الصف جلس في مقعده، فناداه الأستاذ ليحل مسألة على اللوح، اللوح بحد ذاته مثير للقلق والتوتر و الفزع، والطريق إلى اللوح محفوف بالأفكار و الارتباك، يسير بطيئا ثقيلاً فأقدامه أقدام فيل ضخم:"  أود أن أمشي، أود أن أصل إلى اللوح، ولكن قدامي قدما فيل... ولكن فيلي ثقيل ... ثقيل!"الفيل قوي ولكن الاستخدام الجزء منه فقط، أي الأقدام ساهم في عرض مشهد التثاقل في الوصول إلى نقطة الهدف" اللوح"، فالتوتر و الخوف كفيلان بأن يجعلاك غير  قادر على الحركة، أو ثقيلاً بطيئا في وصولك للهدف.

الرياضيات و أقدام الإسمنت:

لم تكن الرياضيات واحدة من المواد الدراسية التي يمكنني فيها قضاء الوقت في التجول بين مقعدي و اللوح، ذهاباً و إيابا، أحل مسألة و بالكاد أجلس فتستعصي مسألة أخرى فأهب إلى حلها، يقول الأستاذ للصبي مأنبا: " أيها الشقي يبدو أنك نسيت الرياضيات في العطلة الصيفية!" يضحك الأولاد، فتصير قدماه اسمنتا ثقيلاً لا يقوى على الحركة: ويضحك مني زملائي فهم ليسوا الآن مكاني، و تصير قدماي عموداً من الإسمنت، لا أقوى على الحركة".


المعلم يسندني بكلماته:

كم هو مهم أن تكون روحك حاضرة قادرة على قراءة الانفعال النفسي و الأثر الذي تتركه أقوالك و أفعالك في  الآخرين، و الأجمل هو قدرتك على احتواء اللحظة و تداركها كما فعل المعلم مع الصبي، فقد لاحظ أقدامه الاسمنتية، و إحساسه بالحرج و التوتر أمام زملائه بسبب عدم قدرته على الحل أولا، و بسبب توبيخ الأستاذ له ثانياً، فتدارك المعلم الموقف قائلاً: " لا بأس فجميعنا نسينا الرياضيات في العطلة الصيفية"، وبادر بعدها لمساعدة الصبي في حل المسألة.

المعلم و العبور :

كثيراً ما نحتاج هذا الصوت في حياتنا، في كل مرة تنزلق فيها، نقع في حفرة، ترتكب خطأ، نحتاج إلى من يقول : لا بأس و يساعدنا لنتابع، فقد لا نشعر بأننا في طريقنا إلى خطأ ما، و غالباً ما ندرك الخطأ بعد وقوعنا فيه، لكننا نحتاج إلى صوت يشبه صوت المعلم، لنتمكن من العبور ثانية إلى الضفة الأخرى.

التراث العربي الشعبي للحذاء و المقاربة الإنجليزية في النص: 

استخدمت الكاتبة المثل الانجليزي بحرفيته في وصف ما يحدث مع الصبي في البيت من خلال المقاربة بين جيل الابن و الأب، ثم في طريقه إلى لقاء أصدقائه في المدرسة وكان متشوقا لأصحابه فأحس حذاءه خفيفا كالريش، و أصبح الحذاء فيلا في حصة الرياضيات، وصار إسمنتا عندما شعر بالحرج أمام زملائه، فلا أحد من زملائه في حذائه أي في مكانه!

اما في الموروث الشعبي والتراث الثقافي العربي فالحذاء أو النعل: " عاد بخفي حنين" و هنا الخف يحمل معناه الحقيقي المباشر، أما معناه الدلالي فهو العودة خاوي الوفاض بعد رحلة تجارية طويلة، و يرد في لباب الآداب للثعالبي في رسالة يعاتب فيها  أحد الأمراء فيذكره بحاله فيقول: “قد رُميتُ بسِهام أغراضكَ، ونصبني جفاؤُك أقرب أغراضك، صرتُ عندك ممّن محى النسيانُ صورته من صدرك، طويتني طيَّ الرّداءِ، وألقيتني إلقاء الحذاءَ"

وفي الغناء الشعبي و للدلالة على عمق المحبة، و جسور التواصل: " للي يحبك يجيلك ع القدم ماشي ، و إللي ما يحبك يقولك ما دريناش، و لولا المحبة على القدام ما جينا، ولا دعسنا اراضيكم برجلينا!


تعليقات

المشاركات الشائعة