الحوش ... بوابات تشرع على الذاكرة


كي نتذكر فنبقى:
في أيامي الدراسية، ليس لي أن أنسى تلك الدقائق الصغيرة المستقطعة من عمر الدروس و الكتب، أو تلك الحصص التي كانت توهب إحياء لذكرى حدث هنا أو وجع هناك، و حبذا لو كان درس رياضيات أو شيئاً على هذا النحو! و رغم أني بالكاد أسمع القليل مما يقرأ في الإذاعة المدرسية صباحاً، فبالكاد أصل قبل تتدافع زميلاتي إلى الصفوف، و لكني أحس و على مسافة من الوقت كم يبدو هذا قيما، و كم نحتاج إلى تلك الذاكرة، و إعادة رواية الحكاية، و رسم الخطوط و التفاصيل بطريقة ما، لا تجعلها تمحى أو تغيب.
" كي لا ننسى" تحت هذه الحروف لا بد أنك سمعت مثلي سيلا من الكلمات و الحروف، القصص و الحكايات، أما اليوم فأحب أن أشاركك تعديلي الطفيف نعم، لكنه جذري، و ربما تقرأه فتحسه جذرياً كما أحسه، يروق لي أن أعدل تلك الجملة 😲 فتكون " كي نعرف فنتذكر" و " كي نتذكر فنبقى" لقد أحسست هذا اليوم و بينما كنت أشاهد عرضاً مسرحيا بعنوان " الحوش".

الحوش... خطوات متشابكة:
" الحوش" عرض دخلته أحمل فضول صديقة تحب أن تصغي لوقع كلمات صديقتها حنين أمين و الفنان فيصل أبو الهيجا، وشغف لمس هذه الديناميكية التي تتشكل من التقاء خطوط فنية و فكرية مشاكسة و صاخبة بموازاة أخرى رقيقة دقيقة
و حالمة، أتيت " الحوش" محملة بهذا و خرجت بالكثير من كل شيء و عن كل شيء.
تبدو شيء جملة مبهمة، أو أنني صرت أجيد الثرثرة و الاستطراد! 
و عن هذه الأشياء أتحدث: 
البوابات ... البيوت... و هوياتنا:
أتشعر معي أن بوابات تبدو جمعا جميلاً، فيه روح دافئة عريقة، و له ذاكرة، فالبوابة صبية أغلقت درفاتها على كثير من القصص و الحكايات و الناس، و هكذا وقفت بين عدد قليل من الحضور نطرق البوابة علها تفتح لنا درفاتها فندخل رواق حكاياتها ذاكرتها، و صورنا، و فتحت البوابة بكثير من الترحيب، فللبوابات ذاكرة و ليست ككل الأبواب نزحف إليها مللا و نكاد نلعب " القرعة" لنحدد من يفتحها! هل أخبرك يفاجئك أنهم طافوا بنا البيت و لم نجلس بأيدي معقودة و ابتسامات بلاستيكية تختزن كثيراً من النميمة تحتها، و ربما يصدمك أننا و لبعض الوقت غنينا نعم نعم ... كانت أصواتنا نشازا، لكنها اللحظة فلا تدقق كثيراً!
و نروي الحكايات:
يروي معن و نواس حكايتها التي هجراها لوقت طويل تسكن جدران الحوش، وحيدة، باردة، لكنها ظلت شابة بعمر الورد، فالحكايات لا تشيخ!

الاسم أول الحكايات: 
في الاسم نتذكر الكثير، من اختار أسماءنا، من حفر في ذاكرتنا تلك اللحظة، ومن استرجع حين أسمانا، هل تساءلت يوماً إن كنت تحمل اسمك وحسب، أم تراك تحمل ذاكرة أخرى لأمك، أو أبيك، فعله أراد أن يسجن شخصاً ما فيك، فإذا ناداك تذكره، هل كان علي أن أقول يستعيد بدلاً من يسجن؟! لا أظن ذلك... على أي حال هل نكتب معن هكذا فتعني الخير و النفع ف في كل شيء، أو لعلنا نكتبها بألف ممدودة يعلوها تنوين نصب، لكنه ناصباً و ليس نصاباً و لا زلنا نفكر هل من الصعب حقاً أن نكون معاً، الأخوين غير الشقيقين، المولودين لوالدتين بمزاج فني مختلف، فهذه تحب فيروز و دفء صباح رقيق، في غرفة صغيرة تزدحم بالكثير من الحراتيق، و تلك تفضل صوت أم كلثوم المخملي العريض، على أنني لم أحس فرقا بين معن و نواس( و أفكر هنا بحضورهم الشخصي و صوتهم الذاتي) رغم أن كل واحد منهما كان يخطط لمسار مختلف لهذا الحوش، فلم نرى خلافاً بقدر ما رأينا ازدحاماً جميلاً للذكريات، و كأن العمل المسرحي يهمس في آذاننا أن نحشد كثيراً من الذكريات، فوحدها من يمكنها أن تشفع لنا لحظة خلاف ما! 
عن الصدف و الحكايات المنسية: 
أما عن هذا فأتذكر أننا جلسنا في رواق واسع يزدحم بالصور، و الزوايا، مبهرج، و دقيق، و سكننا الصمت، فلا أظنني ضحكت،أعرف أنني لا أضحك عادة على أي حال! كان حديثاً شائقا شيقا، و كأن به يتحدث عن طريق الحرير، تلك الطريق التجارية التي تعيد إلى ذاكرتنا الكثير، وقفا و استعادا معا رحلات تجارية تؤرخ لمئات سنين قضت،" أيام مكانش في يورو ولا دولار" ووحدها هذه الكلمات تكفي لتقول حكاية المكان عن أهله، و عظامه، وعن أؤلئك العابرين الذين كثيراً مروا من هنا في عهود كثيرة، و كثيراً حاولوا أن يصنعوا لهم وجوداً شائكا، و صحة حبيبي!
 و " صحة حبيبي!" :


ذلك المصطلح الذي كان يستعين به التاجر الأجنبي ليرتق به كل كلمة لا يعرفها، فتكون النعم صحة حبيبي، و كذلك ال" لا"، وعلى ما يبدو أننا أكلنا كثيراً من هذه "الصحة حبيبي" التي يتغير معناها بتغير سياقات الوقت، حتى وصلنا إلى هذه ال" صحة حبيبي!"التي تعيشها البلاد" فلسطين" اليوم في 2021 بعد سنوات من كل شيء إلا السلام.

بلاد الأنبياء:

في البيت زاوية وقفا فيها للتمني و الدعاء، يقال أنه مقام النبي داوود، يقال كثيراً... و فلسطين تزدحم بالأنبياء، لا هي لا تزدحم .. هي بلاد الأنبياء، و كلهم مروا من هنا صعوداً إلى السماء، يقال أنها بوابة الأرض إلى السماء، لكني سأعود و أحدثكم عن الأرض، في المقام النبي داوود الذي  يرفع الأمنيات.

لا يذكُر القرآن نسب النبي داوود عليه السلام، ولكن المؤرخين  نقلوا من المصادر التاريخية المختلفة أنساب بعضَ الأنبياء ويذكر ابن كثير أن داوود هو داوود  بن ايشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عويناذب بن إرم  بن حصرون بن فارض بن يهوذا بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم الخليل ، و في الحديث عن ارتباط أماكننا بالتاريخ و ذاكرة الحق الفلسطيني أجد في استعادة مقام النبي داوود لحظة فارقة هامة في حياة الحوش 

فالمدينة المقدسة"القدس" ظلت "فلسطينية" قرابة ألفى سنة قبل أن يستولى عليها اليهود، وجاء في التوراة: "وذهب الملك (داود) إلى أورشليم إلى اليبوسيين (الفلسطينيين) سكان الأرض. فكلموا داود قائلين. لا تدخل إلى هنا ما لم تنزع العُميان..وأخذ داود حصن صهيون.

وأقام داود فى الحصن وسماه مدينة داود.ويحمل هذا المتنُ إشارات هامة، منها وصف التوراة اليبوسيين بأنهم "سكان الأرض ".

البئر بئرنا التائهة:

 بالانتقال إلى البئر تلك التي رأى الأولاد فيها مساحة للعب و الخيال، يجلسان فيسليان الوقت إذ يناديان يوسف من البئر، فيستعيدان الجذر الكنعاني لأبناء البلاد الفلسطينيين الكنعانيين، يوسف ..يوسف هو لا يجيب عادة، لكنها جارتهما تطل فتنهرهما حين يغزو قلبها الملل، و ترد سؤالهما حين تبدو أيامها حلوة كالسكر، وفي انتقالهما إلى حكاية النبي يوسف عليه السلام، و بئره التائهة في فلسطين، فيقال أنها هنا، أو علها تكون هناك، لكن إخوته ألقوه في البئر و يقال أنها في فلسطين، وكم بئر في فلسطين؟! هل هذا هو السؤال الصحيح، لا أظن... على أي حال هو " الحوش" و هذي " فلسطين".

تعليقات

المشاركات الشائعة