مملكتان و نحن .... حفل الشاي

قليلة هي المرات التي أذهب لأشاهد فيها عرضاً مسرحيا، دون أن أقرأ تفاصيله، لكنه" حفل شاي" و  عبث و جمال اللحظة الأخيرة، كانت الساعة الواحدة و النصف ظهرا، عندما اتصلت بحنين و أكدت لها أنني سأكون معها هذا المساء، أسابق الوقت فبالكاد لدي ثلاثون دقيقة للوصول، وفي الواقع تهزمني عقارب الساعة دائماً، و يضيع قدر يسير من الوقت في الانتظار قبل أن يدور السائق محرك سيارته، و يسعدني تأخر ساعة البدء، لا يبدو حظي عاثرا تماماً، صديقتي حنين كانت في انتظاري، دخلنا معا و فتشنا على مقعد شاغر على زاوية تعج بالحياة و الصخب و الشغب الذي يشعله الأطفال .


 رائحة الليمون
قبل أن أبدأ لدي بعض الثرثرة، يمكنك أن تطويها و لكنني أحب أن أحدث نفسي بها، فقد تنفست شغبا جميلا يشبه رائحة الليمون في يوم خريفي مفعم بالرياح، حين جلست بين أطفال تدب الحياة في وجوههم، و تصرخ في حناجرهم، أعرف الآن هذه العلاقة الديناميكية بين الثرثرة و الصخب و الحياة في الروح، في الوجوه ، وفي الأيدي.....
أظننا يا حنين نملك شيئاً من هذه الحياة في مكان ما ، لكنها ياقة القميص مشدودة بحزم، و هي بعض كيلوات زائدة لم تترك لنا ترف الحركة بهذا الصخب الذي نحب....استمتعت كثيراً بالثرثرة على أي حال و بقي أن أقول....


حفل الشاي: 
قبل أن أدخل المكان كان العنوان " حفل الشاي" يعيد لي مذاكراتي لمادة التاريخ و كثيرا عن حركة الاحتجاج في بوسطن ضد سياسات الضرائب للحكومة البريطانية  ، على مقاعد الدراسة كان من السهل علي حفظ هذه التفاصيل، لكن الاصعب دوماً هو تخيل امتداد السيطرة بشكل أخطبوطي كالذي كان. 
هو حفل شاي، لكن روحا آسيوية تهب في المكان، هو شاي لكنها ليست الصين، هو شاي لكن إياك أن تظنها اليابان، هو شاي لكنها ليست كوريا على أي حال، هو شاي و هي لعبة القريب لكن لا لا على رسلك ليس تماماً، إننا نلعب و حسب بعقارب الساعة، و خذ من الحديث ما شئت فللكلمات و الحروف حياوات لم يعشها كاتبها، ولا يدري عنها شيئاً.


أما الحكاية: 
فكثير من الوقت يحكي تفاصيل ما كان، و تصبح كل حكاية حكاية بعد أن يطويها الوقت، " تدقّ عقارب الساعة السادسة صباحاً، من أول أيام السنة، نحتفل اليوم، في رأس السنة البرتقالية الجديدة، وحسب العادات والتقاليد، تقوم مملكة البرتقال بتنظيم الاحتفال السنوي ودعوة الممالك المجاورة...
كمملكة البنفسج للحضور والمشاركة في حفل الشاي السنوي
في وسط الاحتفال، تحدث مصيبة كبيرة لم تكن على البال
تكسر قلب الأمير مندلين وتجعله حزيناً." 
أقتبس في النص القصير السابق، الطريقة التي قدم فيها فريق العمل هذا العرض، و أحدث نفسي بكثير من الحكايات.



الصورة: 
في مشهد الحكاية بساطة تطوي نفسها على كثير من ثقل الكلمات، عازف عود يتوسط كرسيين بلون برتقالي و بنفسجي أرجواني، و ساعة تدق و تدور عقاربها و سط المشهد، وقد قررت الآن ألا أكون درامية فاستعيد ذاكرة الساعات في الأدب الفلسطيني،هناك مملكتان، كرسيان، و الواقع أظنها مملكة واحدة " مملكة البرتقال"، و أخرى تحاول أن ترتدي عباءة الديمقراطية، فيمثلها ملك و مستشار أو وزير .
على الطاولة بعض حبات البرتقال، و تفوح رائحته في المكان خلال العرض، أكلت بعضاً منه بعد عودتي للمنزل، رائحته طيبة في موسمه على كل حال. 
في الصورة لونان و حسب، برتقالي هو لون الثياب و الكراسي، و أرجواني هو أيضاً لون الثياب و الورد.

مملكتان و ساعة: 
تقتسم المملكتان الوقت، الساعة، و كلمات النشيد، فهو ذاته في الجانبين، لكنه اختلاف الروح و هوية ساكنيه، أما أؤلئك فيحرثون الأرض و يزرعون، يقطفون البرتقال و الثمار، يحضرون الشاي، وفق قواعد محددة مضبوطة بصرامة و حرفية، نسير، نقف، نجلس، نفكر، نطوي أقدامنا، و نخلع نعالنا، هي صرامة التقاليد والأعراف، وصورة المملكة الكلاسيكية.
في الزاوية الأخرى صورة لنموذج حداثي، ربما لا أسرح بخيالي كثيراً إذا قلت أنه نموذج الدولة المدنية التي لا زالت فكرة و لم تصبح حبرا يسكن الورق، هي مملكة الفنانين، يرسمون، يلونون، يضجون بالحياة، يشاكسون بألعاب الخفة، يدحرجون الكرات من يد لأخرى، يفكرون، يبحثون عن الحلول، يسيرون خلف الحلول و يقطعون المسافات، يصنعون الحلول بأيديهم و يشكلونها. 


دائرة الألوان: 
الألوان حياة أخرى، وبين الأرجواني و البرتقالي حكايات عن ألوان و وجود، فحين كنا أطفالاً رسمنا تلك الدائرة و قسمناها لنوزع الألوان بعد ذلك، لم أكن أجيد استخدام الأدوات الهندسية لأرسم دائرة، و أظنني استخدمت صحنا دائريا لهذا، أما اللون البرتقالي فيأتي بعد مزج اللون الأحمر و الأصفر، بينما البنفسجي فيتكون من اللونين الأحمر و الازرق.
يشترك الاثنان بالأحمر إذن، الذي يظهر من خلال تمسكهما بالتقاليد و الأعراف، في مملكة البرتقال، تضع الملكة القوانين و تورثها كما تورث جيناتها و أفكارها، فيبدو ابنها الوريث في كثير من المرات كما لو أنه رجل آلي، في طريقة الحركة و الحديث.
أما في مملكة الأرجواني فجنوح نحو الحداثة، إلا أنه لا زال متوازناً بين هذا و ذاك، فهو يبدو مثلنا جميعاً، نحن الذين نسير يومياً في طريق الحياة، نفعل كثيراً من الأشياء كما يجب لا كما نحب، و نفعل ما نحب أمام مرايانا و صورنا المعتمة.
يبدو هذا واضحاً في شكل الرداء العملي، القبعة، الحذاء الرياضي، و التململ من فكرة خلع الحذاء. 

كسر الإناء: 
أما هذا فكان المعضلة الدولية الشائكة، إناء تاريخي عريق كسر، فما الذي يرممه، ترممه الفنون و الموسيقى، في حل سيكولوجي حداثي، يترك بعض المتعة الآنية، لكن الكلاسيكية ترفضه. ترممه الحداثة الاستهلاكية إذن، فنشتري بديلاً مشابهاً لتراثنا، و تقول الكلاسيكية: هو جميل يشبه تماماً لكنه صيني بجودة أقل ربما ... كسر الإناء ترممه الفنون إذن، لا هي لا ترممه، بالكاد تضمد جروحه بفنية عالية، و تدعونا لنفعل الأمر ذاته، فالأشياء المكسورة لا تعود تماماً كما كانت.

أرواح كثيرة للكلمات: 
قلت لحنين و نحن نخرج من المكان أن كثيراً من الجمل التي سمعناها في متن النص لها أرواح كثيرة، و يمكنها أن تهرب من النص فتكون هي الفكرة و الجدل، و كان النص في طور ما يمكنه أن يكون لشخصين مثلنا هاربتان من تفاصيل و شغب الحياة اليومية و ثقل اللحظات، ناضجتان ..... لا ليس تماماً.



حفل شاي
 


 
تأليف وإخراج: ميرنا سخلة
تأليف موسيقي: أنور مراعبة
تصميم حركة: محمد سماحنة
 
تمثيل:
خالد أبو رزق
محمد سماحنة
نور الدين سمارو
ميرنا سخلة
موسيقي وغناء: أنور مراعبة
 
ديكور: جريس أبو جابر
تصميم وتنفيذ أزياء: وفاء العزة
إضاءة: إيهاب غفري
تصميم البوستر: سيما الرماش
شكر خاص: جنى الشافعي، رزق إبراهيم، عامر خليل
إدارة إنتاج: حلا الشخشير
إنتاج: مركز أسكدار بالتعاون مع المسرح الوطني الفلسطيني – الحكواتي 2022
بدعم من: الصندوق العربي للثقافة والفنون – آفاق









تعليقات

المشاركات الشائعة