مسرحية قضية 74 أربعة و سبعون عاماً على النكبة و حكايات الوعي

أربعة و سبعون عاماً على النكبة و حكايات الوعي 

القضية 74 نوع حداثي من العمل الطلابي المسرحي ،مجموعة صغيرة من طلاب الجامعة العربية الأمريكية وضمن مشروع مشترك يشرف عليه و ينفذه مسرح الحرية ، ينبثق هذا العمل المسرحي الصغير"قضية74"



"عرض طلابي مسرحي
انتاج الجامعة العربية الامريكية

اخراج رنين عودة - تقنيات مؤمن السعدي - تصوير احمد أسعد
اداء؛ ابراهيم براهمة، بهاء الدين ابداح، رنين داوود، شانتال رزق الله، محمد عبد الله، مريم عبيد، نقاء سمور، يحيى مرعي.


وهو عمل فني يعتمد على جمالية واقعية جاك لوكوك، الجامعة ما بين التجربة والأنتروبولوجية، والمهتمة بكسر مفهوم الفضاء المسرحي التقليدي، ملتزمة باعتبار المسرح ممارسة اجتماعية سياسية تسائل الخطاب المهيمن وهياكل السلطة على اختلاف أنواعها.

ويعتبر هذا الانتاج محصلة تدريبات مدرسة مَسرح الحرية للفنون الادائية، كنتاج ورش تمكين طلبة الجامعة العربية الامريكية في جنين من خلال الدراما ضمن مشروع الحاضنة الثقافية "يلا فن" لـِ مَسرح القصبة بالشراكة مع مؤسسة

دروسوس السويسرية، تنفيذ مَسرح الحرية.

تتناول المسرحية قضية النكبة الفلسطينية وما اثر عليها من احتلال فلسطين، وان النكبة ما زالت مستمرة من ٧٤ سنة، ففي كل يوم يتعرض الشعب الفلسطيني لعمليات التهجير والقتل وسرقة البيوت، وفيها تظهر استمرار معاناة الطلبة الفلسطينيين من اثار النكبة وما ترتب عليها فيما يتعلق بقصصهم الشخصية التي تمثل هذه الحالة كجزء لا يتجزأ من هجرة الذات والمكان والهوية." "


ومن الجيد أني عدت فصححت نفسي،ورفعت ال التعريف عن كلمة قضية، ومن الجيد أن فكرة استثمار الفنون المسرحية في صياغة معرفية أكاديمية فنية واعية يؤديها و يشعرها الجيل الشاب من طلبة الجامعة منهج ريادي حديث، وتطور أسلوبي واسع وواع في ديناميات معرفية تستخدمها الجامعة، إن هذه محاولة حثيثة أكاديمية يحاول أن يجد رابطاً ما بين الكلمات و الحياة التي نعيش، وإن فكرة التراكم الديناميكي للتجربة مؤشر إيجابي فعال.
أستطيع الآن أن أحدثكم أكثر عن قضية 74،بت أثر مؤخراً كثيراً ، وأعرق في التفاصيل ،كان علينا الوصول تمام الساعة الرابعة، فهو عرض جامعي، وسيكون الوقت مضبوطة ما أمكن، عندما دخلنا " مي،حنين، وأنا" كانت الساعة تشير إلى الرابعة و الربع ، بينما نصعد الدرجتلوم حنين الوقت: " أوه… تأخرنا" فأقول " بالكاد هي عشر دقائق" و تقول حنين : " لا .. ربع ساعة " 

هي ساعتي إذن!تتأخر عن الوقت خمس دقائق ، و لم أعد ضبطها منذ وقت طويل ، ولا أدري أي وقت هذا الذي اعتكفت فيه ساعتي عن السير فتأخرت عن الركب خمس دقائق.
تحسسنا موطئ قدمنا في العتمة،هي بضع ثوان من الترحيب، و قليل من الجمل و بدأ العرض.

ثمانية وجوه و حكايات : 
تطوف بنا الصور على مدى ثلاثين دقيقة من الوقت ، و نقلب ثمانية من الوجوه الملونة بالحنطة، بيضاء و سمراء، ربما هو غبار الأرض ، ترابها، و أنين القصص، ثمانية من الوجوه التي حملت أكثر من قصصها الفردية،حيث أدى بعضهم أدواراً مزدوجة، وعكسوا أكثر من صورة، وطاف في أزمنة مختلفة.
تروي الحكاية ألما فلسطينياً مريرا منذ بداية الهجرات اليهودية إلى فلسطين ، وحتى الوقوف أمام البوابات الحديدية و السواتر الترابية على الحواجز العسكرية الإسرائيلية في هذه الأيام للوصول من منزل تسكنه إلى جامعة ندرس فيها ضمن حدود الضفة الغربية المحتلة وما تخضع له من تقسيمات ( مناطق أ،ب،ج).

العنوان .. . و مواجهة قسوة الألم: 
قضية 74، رغم أني في البداية ظننت أن العرض سيحمل في طيه نقاشاً قضائيا لقضية ما تحمل الرقم التسلسلي 74، لكني اكتشفت أنها أربعة و سبعون عاماً تقف بين اللاجئ الفلسطيني و حق العودة، 74عاما على النكبة الفلسطينية ، أمضغ فهمي الجديد العنوان كما فسرته حنين، أفكر… بالكاد استطيع أن أمضغ ألمي الخاص في نهار عادي،و أجد الحروف و الكلمات تتلعثم في جدار حلقي، ولا تخرج، فكيف لألم بلاد مرير أن يسكن بعبئه الثقيل في روح هذا العرض، أي وجع هذا و أي مكابدة للألم.
ثلاث حكايات و بعض الشغب: 
الأصوات، الموسيقى،الحركة العبثية،الألم، و البحث المضني عن الهوية كان يعيد لي على مدار زمن العرض المسرحي أطياف رواية غادة السمان" سهرة تنكرية للموتى": " إني خائف … خائف….ربما لأن طائرة بيروت من ضباب…و قدرها من ضباب،و راسي كله من ضباب…و لعل الضباب يتدفق من عيني و أذني و فتحتي أنفي و فمي و ثيابي…ربما كان من الأفضل لي فتح جرحي قطبة بعد أخرى و الاعتراف بخوفي لنفسي".

العمل الروائي قدم قصصاً لشخصيات لا تربطهم ببعضهم البعض إلا المدينة" الهوية" بيروت، و يقدم النص المسرحي أيضاً قصصاً لشخصيات تجمعهم الهوية " فلسطين" و كأن هذا العمل يصغي لنصيحة الراوي في تلك السهرة التنكرية، و يفتح جراحه قطبة قطبة أمامنا نحن الجمهور.

كلاسيكية الحب و اللجوء: 
تقدم الحكاية المسرحية عبر صوت كلاسيكي قديم كذلك الذي يعيد لنا إذاعة صوت العرب، و أصوات الشتات، و الاغتراب و اللجوء و البحث المضني عن طريق العودة، ليس اللجوء فحسب بل حمل صوت الصبية"العجوز" ذكريات حبها المبتور، و رسائلها النائمة حتى الآن تحت صخرة، رسائل ما زالت حتى الآن في انتظاره، لم تمر عيناه فوق الرسائل، لم يقرأ كلماتها ، كانت المسافة قصيرة إلى التلال، إلى فية الزيتون، لكنه ما زال في الطريق.
السفينة و مغالطات الوعي: 
بموازاة كلاسيكية اللجوء " حكاية الحب المبتورة" يروي شخوص العمل سرديات الهجرة اليهودية إلى فلسطين يحكي أبطال العمل المسرحي حكاية الهجرات اليهودية مستحضرات الزمن الفائت بصورته، إلا أنهم يستحضرون وعي اللحظة الحالية، و يلبسون شخوص الماضي، فنجد الشخصيات تتحدث عن الوافدين اليهود المهاجرين، بندية و رفض، رغم أن التنبه لخطر هذه الهجرات التي سبقت النكبة بأعوام طويلة كان فعل الخاصة لا العامة، إضافة إلى أنهم لم يواجههوا بمقاومة منذ البداية.

حكايات الأردن…. فلسطين: 

ارتبطت حكايات الأردن…فلسطين،فكل منها كان امتداداً تاريخياً للآخر، امتداد التاريخ لا الجغرافية، وحين قدم العمل المسرحي 74 اللجوء واضحاً،و الحواجز صارخة لا تقبل التأويل، بدأ و كأنه يقفز قفزة سريعة معصوب العينين كما لو كان متسابقا في برنامج تحديات رياضية، بين الأردن و فلسطين وحدة بدأت العام 1952و انتهت بفك الارتباط إبان هزيمة حزيران و مطلع السبعينيات بشكل نهائي.
نمشي فوق الهزيمة بين هنا و هناك، الضفة هنا، الضفة هناك،أما ما انبثق عنها مسرحيا فكان شابا فلسطينيا يروي تعطشه للحصول على الجنسية الأردنية" الرقم الوطني" لكنه يواجه جدالا اجتماعيا و مشكلات أسرية بين زوج و زوجة" والديه" الذين يوقفا علاقتهما بالطلاق،فيتوقف حلمه بالحصول على الجنسية الأردنية، ورغم حاجتي إلى فحص قوانين الأحوال الشخصية و المدينة ومتعلقاتها التاريخية، لكن ما يبدو مزعجاً في هذا الطرح هو فكرة الرغبة العارمة في استحقاق جنسية بديلة لاستمرار جودة الحياةذو ضمانها.

حكاية و وعي المفاهيم: 
هي فلسطين دوماً ، وهو وعينا فيها،لكن نصا مسرحيا يعده طلاب و طالبات على مقاعد الدراسة الجامعية، يحاكي أزمنة مختلفة،و لكنه يحافظ على لغة واحدة،و هذا لا يتوافق مع صيرورة القضية الفلسطينية، فلغة اليوم مغايرة عن الأمس ،كلنا نحب البلاد ،و قد كان لكل فترة دلالاتها، بالثوار أصبحوا فدائيين و مطاردين، و الفدائيين أصبحوا مقاومين، و ذكر الاحتلال في فترة مبكرة من العرض،خلال الحديث عن النكبة،و لكني سأذكر كلمة مواجهات التي استخدمت في الحديث عن المعارك التي مهدت للنكبة الفلسطينية،حرب العصابات الصهيونية كانت باتجاه واحد غالباً ، ولم تلق أمامها ندا،قيل أنها مواجهات، والمواجهة تفترض الندية،وهي لم تكن موجودة، كما أن كلمة مواجهات كلمة حديثة وإعلامية أكثر منها كلمة تاريخية أو مجتمعية تجري على ألسنة العامة في الشارع بشكل اعتيادي.
مثل هذه الكلمات كالحرب،الاحتلال، المستعمرات، المستوطنات و الحديث عن العودة و اكتشاف حيلة الأيام الثلاثة التي سيعود اللاجئون بعدها إلى البلاد التي تركوا فيها كل شيء …كل هذه كانت تحتاج إلى دراسة مفاهيمية تاريخية أكثر حزما ، سيما أن العمل إنتاج جامعي.

حواجز و بلاد: 
أما هذا فكان حديث اليوم،الآن الحالي الذي يعيشه الطلاب " أصحاب النص" و لهذا تم تجسيده بشكل حرفي، بالصوت والصورة ، بصورة تعبيرية حركية، لكنه ليس أزمتها الكبرى، فمشكلة فلسطين هي الاحتلال ذاته، و ليس مخرجاته و تبعاته من حواجز، و جدار، و استيطان.
اغمض عينيك و تخيل لو أن الاحتلال أعاد انتشاره فيما ترك لنا من بقية بلاد لنعيش، وصار يقدم لك الورود و بعض الابتسامات على الحواجز عوضاً عن التفتيش المضني، هل يرفع هذا عنه سمة الاحتلال؟!
اغمض عينيك ثانية و اسرح أكثر في خيالك، ماذا لو تم تطبيق اتفاقات السلام بحذافيرها، ضمن السنوات الخمس الأولى للتسوية، وتم الانتقال بسلاسة من الحكم الذاتي تدريجياً،و ربما تمر ولا تجد حاجزاً أو جدارا أو مستوطنة، هل ينفي هذا سمة الاحتلال، و يوقف قيح جرح نازف منذ النكبة الفلسطينية عام 1948! 
و حكايات أخرى:  
أما عن الحكايات الأخرى فهي تلك التي ظهرت في جو العرض بصورة ناشزة، رغم أنها حكايات تنتمي إلى المجتمع، لكنه ليس السياق الذي من الممكن طرحها فيه، وقفت إحدى الصبايا و بدأت تتجول بين الشخصيات الأخرى، و تلقي ما يشبه الخطاب النيابي، لم يكن لديها حكايتها الخاصة، لكنها روت بتذكر و ازدراء ما وصفته بالعنصرية و القبلية و التجزئة و التفرقة، هذا هو ما يواجهه الشباب ربما، لكن النكهة الخطابية في نقده تؤصله، و تلفت النظر إليه، أكثر مما تكون وسيلة لمواجهته و علاجه، و الحديث يعطي انطباعا بامكانية الاصطدام في حال التقى أحدنا بالآخر… 
في الزاوية الأخرى تظهر فتاة بفستان طويل،و شال يغطي شعرها، ترتديه بشكل تقليدي- ليس على الموضة الدارجة حالياً-و تتحدث عن ضغط و عنف مجتمعي،اغتصاب، قهر،قلق،و أظنها قالت منتقدة المجتمع:" انتوا شو بتفرقواوعن الاحتلال… أنت مثلك مثل الاحتلال" .
أعرف أن العنف و القهر و الاضطهاد ومن الصور الموجودة في المجتمع،و لكن مقارنته بالاحتلال، و مستوياته به حالة و صورة لم أجدها موفقة، أعتقد أن العنف الحالي هو أحد مخرجات تعرضنا المستمر للاحتلال، فالفلسطيني في زاوية ما شخص مقهور يرزح تحت نير الاحتلال وكنتيجة لقهره يمارس القهر بدوره على عائلته و مجتمعه، و حارته، فتكون هذه أكثر قسوة من ذلك العنف الذي يوجهه الاحتلال لنا.
ما زال الاحتلال يجثو فوق هذه الأرض، و استخدام الفنون كافة في تسجيل لحظات الحياة اليومية أفكارنا، ومشاعرنا هو بصمة البقاء التي نستكيعها دوماً، لتظل البلاد فنظل و لا نصل.  
 

تعليقات

المشاركات الشائعة