أناي... سمفونية حادة و أمل

على مدى مرة وبضع صفحات يرسل لنا الشاعر أحمد العارضة إصداره الأدبي الشعري الثالث الذي يحمل عنواناً مركبا منحوتات" أنهم"، و يعود فيقسم كتابه إلى أقسام ثلاثة الأنا بعناوين ثمانية، و النون و تحمل في طيها سبعة عناوين، أما هم فلهم ستا من العناوين المتداخلة.




هو ..... و الأنا: 

يحاول الكاتب أن يقدم سمفونية شعرية حادة، خارجة عن حدود المألوف و المعتاد، كاسرة قوالب التصنيف الجاهزة التي يلقيها بها حال نقرأها فنقول: " هي واحدة من إنتاجات أدب السجون..." و كأننا بهذا التصنيف نرفع عنها كثيراً من العتب الأدبي الذي ربما يلحق بها.
بروح التحدي هذه نحت الشاعر عنوانه، فسطر الأنا أولاً بوعي و صدق، لا بمكابرة و جموح، فكانت الأنا الضمير المنفصل و ضمير المتكلم المتصل و المتواصل مع العالم و مكوناته، و صخبه الحالي بوعيه و كلمته و شعره.

النون:
أما هذه النون فهي ليست نون الوقاية التي تقف حائلا بين الإسم و الفعل، و كتبت برسم الكتاب: " ن". ربما لتظل مساحة تأويلها الخاصة، أو لعل الشاعر استذكر الآية الكريمة من سورة القلم: " ن و القلم و ما يسطرون" ليستحضر روح القلم و الكتابة و ما تتركه من أثر في نفس القارئ، وما ترفعه من ثقل من نفس الكاتب فتجعله على قيد الحياة، على أنني أدرك تفسير الآية الكريمة و حديثها بشكل مباشر عن الملائكة وما يسطرون و يسجلون من أعمال البشر في الحياة.



و تظل النون مساحة تأويلنا، فالنون هو الحوت، ففي موضع قرآني آخر:" و ذا النون إذ ذهب مغاضبا ربه" فالنون أي الحوت كان المكان الذي حمى به الله نبيه يونس عليه السلام من الغرق في البحر بعد أن ألقي من على ظهر السفينة، فلم يمسه سوء.

هم .... و حكايات لم تنته: 
هم ... بوابة الآخر المحيط القريب من الأسير القادر دائماً على التواصل معه بوعي روحي و إنساني.
يظل الشعر مساحتها الخاصة للتأويل - نحن القراء- و لكل منا مذهبه ووعيه الخاص، لا ندرك كثيراً من العناء الذي خاضه الكاتب و هو يكتب قصائده، لا نعرف كم من فكرة و ئدت لا لشيء إلا أن الظروف آنذاك لم تكن مواتية فيكتبها، الكتابة بالنسبة للأسير لم تكن ترفا في أي وقت.https://youtu.be/NfKSmxUS0aY

شيء من روحه: 
يهدي الشاعر كتابه إلى والده ووالدته، والده المسكون بالسؤال: " هل عاد؟ " و يستخدم الفعل الماضي فلا يقول هل سيعود، ووالدته محمولة باليقين " سيعود".
يبدأ كتابه بالشكر ل" إبراهيم نصر الله" لتقديمه كتابه السابق " خلل طفيف في السفرجل" و كان كتابه " أنانهم " هو شيء من روحه يخرج من السجن فيسلم على الرفاق نادر صدقة و إبراهيم العارضة ، و يلقي علينا التحية، و عله يصغي الآن لكل كلماتنا، و ما قد نقول.

مرآة بزجاج مكسور: 
ليس هذا كتابه الشعري الأول، لكنه كتاب مكبل بالأسر المؤبد ، و سلاسل كسرها ليخرج إلينا، لكن آثارها ما زالت تقيد معصميه، و بهذه التلقائية نجده يقدم لنا قصائده كما لو أنه يحدث نفسه أمام مرآة بزجاج مكسور في عتمة زنزانة معزولة ومنفردة، ولهذا نجد عناوينا تشبه نفسها بين نفسين، " شتاء"، " محنة الشتاء و الصيف"، " رصيف" ، "أرصفة" وفي طيها يرسم كثيراً من ألم السجون و عتمتها، و قهر الوقت ليصل الزائرون إليه محملين بالشوق محمولين على الألم، محمومين بالأمل.

في الصفحة الواحدة و الستين61، نجد إحدى كلمات القصيدة مكتوبة باللون الأحمر، و كأنها تحتاج إلى تدقيق، أو أنه يوحي بذلك، وكذلك في الصفحة السابعة و الأربعين من النسخة الإلكترونية التي قرأتها يقدم الشاعر عنوانين لقصيدة واحدة يفرقهما بأو " عطر المدينة أو أم الغريب" 
يغلب على كثير من هذه القصائد الشكل النثري، الحر، الحداثي و الحديث جدا، و القصصي السردي: أحلام صياد رمى صنارتين فاصطاد الهلاك ".https://youtu.be/Q807jq4mEP8

 شام...  جرعتنا السقيمة: 
أما الشام فسلام لها،حتى مطلع القصيدة، و تنجو من يد اليباس زهرة الياسمين"
" شام نصف سجادتين.... أم تجيد الهدهدات على التراب..   و تسأل المولى بأن يحيي عظام الورد في يدها الحميمة"
" شام ليس يسعفها النهار.. . بردى و نصف غزالتين أعرفها بدم زلال ...  شقائق شربت من البارود جرعتها السقيمة." 


تعليقات

المشاركات الشائعة