حكاوي أبو أسعد ... عن الحكايات و صوت البلاد


عن الحكايات و صوت البلاد الذي تختزنه حنجرة أبو أسعد، و آهات يبدأ بصوتها و ارتداد صداها إليه، و حكاية البلاد و ارتداد صدى هوياتنا في الكلمات.

يقدم الفنان المخرج سعيد البيطار سلسلة حكاوي " حكاوي أبو الأسعد"، برنامج تلفزيوني حكائي يتتبع خطو الإنسان الفلسطيني ينتجه و يقدمه التلفزيون الفلسطيني خلال شهر رمضان، و يتجول أبو الأسعد في سيره الحكائي  في دفاتر البلاد، يقلب أوراقها القديمة أحياناً، و ينظر في صورة اليوم الآني، و يقدم نهجاً حكائياً مغايراً، فالحكاية ليست سرداً تقليداً.

أستذكر تجربة الحكواتي التقليدية التي خضتها خلال العام 2020و 2021 تجربة الحكواتي الذي يعود إلى صفحات من الحكايات الشعبية الفلسطينية القديمة، ولا يعيد صياغتها غالباً ، و يبذل جهده في استحضار صدى و نكهة اللحظة التراثية البائدة، و صقل بطل لا يشبه الأنام، فأجد في حكاوي أبو الأسعد نكهة حداثية، فهو لا يعيد صياغة البطولة، ولا يحتفي بانتصارات لم نصلها، فما من بطل مغوار في متن الحكايات، فأبو أسعد يقدم حكاية اليوم الذي نعيشه بكل خيباته، و يطرق أبواب ماض عتيق لا زال يئز في الذاكرة، و ندوبه تترك علامات واضحة و ندوب في صفحات أيامنا.

ارتداد للصوت: 
يا قايل الآه أمانة تقولي الآه كم معنى....آه...آهين ...تلاتة و لكل آه في معنى.
تصحبنا آهات أبو الأسعد في كل بداية يحكيها، آهات تصحب الفلسطيني في تتابع أيامه، فكأن أبو الأسعد يدعوك لمتابعة الحكاوي، فربما تجد في لحظة ما ارتداد صوتك في واحدة من الحكاوي التي يرويها،  أول آه من جيبي شح المال... وعن هذه يشق أبو الأسعد نافذة منزله، و يسر إليكم بصوت زوجته و يحكي عن كثير من قروض تكبل ابنه، و ترهن عمره للبنوك سنوات، و ربما ترى ارتداد صوتك في أزقة مخيم الجلزون، أو في كروم العنب في بيت دقو.
...تالت آه لا تقولوا قلنا ولا قالوا على الأصيل إللي في الدنيا حظه مال. https://youtu.be/Q-MMkeEWAAk
صوت للوقت :
 للوقت صوت، نعرف هذا في فلسطين كما لا يعرفه غيرنا، فقد ترك الوقت بصماته في الأرض الفلسطينية، فبعض الوقت سرق منا كثيراً من الأرض، و بعض الوقت سرق منا كثيراً من الحياة و آهات كثيرة يروي أبو الأسعد حكاوي الثوار وقد كان في صفوفهم، و يحكي يمر بذاكرة ما تبقى من شواهد التحدي و التآزر العربي في شواهد مقبرة الشهداء في مدينة جنين.

وقت للمكان: 
للمكان وقت يحفر نفسه في الجدران، في الشوارع، زوايا الحارات، كروم العنب، الرصيف، امتداد أفق بعيد و كثير من الأبنية السكنية الحديثة، و أعد النظر مرتين، فتلك ليست الامتداد الإنساني السكاني لأبناء و أحفاء بيت دقو، بل مستعمرات لجموع من مستوطنين رأوا في منامهم ذات ليل بيتاً لهم هنا، و يقارب صوت أبو الأسعد بين بيوت قرية بيت دقو الصغيرة العريقة المتجذرة، ولكل جدار حكاية، و لكل نبع ماء صوت، وبين نشار استعماري حداثي للمستوطنات فآه من الأنذال. و صوت المكان يأتي صريحاً فغياب وهدم الجدران الفلسطينية، و اقتلاع أشجار الزيتون لفرض وجود استيطاني لا يمنح المستوطنين الحق في الأرض، ولا يحرق روح الثبات الفلسطيني.


مكان للذاكرة: 
متلومونيش... متلومونيش بقولة آه ... أنا لي أخ غايب
بحكي معاكم و عقلي الذكي غايب... 
أبو الأسعد يستحضر ذاته في كل حكاية يرويها، الحكايات التي تعكس صوت المجتمع، صوت اليوم الفلسطيني العادي، و اليوم الفلسطيني الذي نأمل بأن يكون عادياً، و بصدى صوته يرسل إلينا وصية فيقول:  أوصيكم بالله إن مت و إلا صابني صائب...تقولوله لما يعود أخوك إللي يحبك صرلوا سنين غايب...
فسعيد البيطار يروي حكاوي البلاد، مندفعاً بقوة الألم الشخصي المكتنز في ذاته، بصدى ذاكرة غياب أخيه، و أمله المجروح بعودته ذات نهار، وفي استحضار حكايته الشخصية ربما يترك لك استرجاع ذاكرة غياب بعيدة، فلسطين بلاد الغياب و كثير من الأمل.


ذاكرة للبقاء: 
البقاء حكاية التحدي الفلسطيني اليومي، البقاء يعني أن تستيقظ صباحاً، تسقي أصيص الزرع، تسير في الشارع دون أن تكون لك وجهة ما تصل إليها، تصافح شرطياً فلسطينياً يقف كل صباح على زاوية الرصيف، و تشرب الماء، و تصافح بابتسامتك أطفالاً في مدرسة للمكفوفين، قد لا يرون ابتسامتك لكنهم يقرأون قلبك على أي حال، وفي ذاكرة للبقاء تصبح مشهدية الصورة جزءاً لا يتجزأ من أي حكاية، فلحظات الصمت التي يلتقط فيها سعيد أنفاسه، ولا يصغي لصوت أم الأسعد لحظات تزدحم بثرثرة ذاكرة للبقاء توجدها صورة المكان، الشوارع، الطرقات، الأرصفة، سير الناس في الشوارع.

بقاء للفلسطيني: 
 أما بقاء الفلسطيني الذي أخطف النظر إليه في هذه اللحظات تحت هذا العنوان الصغير، هو بقاء الهوية الفلسطينية، الهوية التراثية الأصيلة، فأبو الأسعد يتجول في أمكنة و أزمنة اليوم الحالي الحداثي مرتدياً الزي التراثي " الدماغية" و ( الحطة الفلسطينية البيضاء و العقال) و العكاز يدق بها الأرض كأنما يؤكد في كل مرة انتماءه للأرض،  و في يديه يحمل


المسبحة و جرة الفخار.

أبو الأسعد لا يسرد القصص، لا يحكي الحكايات، بل يطوف في الأماكن متنقلاً بنا بين كثير من الحكاوي.
 

تعليقات

المشاركات الشائعة