وإن طالت قصيرة...ومضات لحظة الآن الإنساني

تستيقظ كل صباح و بقليل من اليقظة، و بعض من الأمنيات ترصف صفحتك الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي،و تنتقي بحكمة كلماتك، تستعيرها من كاتب أنفق ليله يعجن تجاربه القليلة البائسة، و يضيف إليها كثيراً من النكهات، علها تصبح تجارب صائغة يعتبرها الهواة المتعثرون أيقونات جمالية نادرة، و بعد كل هذا العناء سيمر بعض من أصدقائك فوق كلماتك، لا يقرأونها غالباً، و سيكتفون بالقول: صباح الخير... صباح النور... صباح ما تيسر مما شئت من الكلمات التي سيمر الوقت فوقها و تصبح في أرشيفك الإلكتروني...نعم الإلكتروني و ليس الإنساني، هل بات الأمر يزعجك؟ و هل ستفكر مرتين قبل أن تعبد صفحاتك بالكلمات؟!


أقلام حبرها الذاكرة:
( و إن طالت قصيرة) لا لا أقصد التعليقات الإلكترونية، أو مساحة النشر، وفضاء الكلمات، و رواج ووصول ما ننشر من الكلمات، (و إن طالت قصيرة) العنوان الأدبي الإنساني المعرفي الذي قدمه الكاتب عزت أبو الرب، و عبر صفحاته عكس صورة واثقة واعية لتواصل ثاقب بين الفضاءات الإلكترونية و الموروث الثقافي الإنساني الذي يوثق للتجربة الحياتية اليومية، الفيس بوك واحد من مواقع التواصل الاجتماعية التي يمكنها أن تلعب دوراً في التأريخ الشفوي، و مواكبة صوت الإنسان البسيط، و وجعه، و الاصغاء لصوت الشارع.


كبرياء لحظة الآن: 

وثقت صفحات الكاتب الأديب عزت أبو الرب للتجربة الإنسانية لمحافظة جنين من خلال عناوين عديدة عكست صورة البلاد ببساطتها، بخوفها، وجعها و أملها، ( و إن طالت قصيرة) إصغاء لصوت الحياة اليومي بثقل ووعي الكاتب و الأديب مرة، و الجار والصديق مرة أخرى، الزميل و الأب و الجد و الزوج، أزور صفحة الكاتب الأديب عزت أبو الرب، فأقرأ ما يكتبه حول كتابه فيقول: "جمعةٌ رمضانيةٌ مباركة:
صباحُ الطاعةِ والقبول، معطرٌ  بنفحاتٍ من الرحمن؛ تشيعُ الرضى، وتعمرُ القلوب، و تزكّي النفوس.


إصداريَ الجديدُ بعنوان:
(وإن طالت قصيرة: "ومضات فكرية")، ترى النورَ بشهرٍ فضيل، ويومٍ مبارك." 

صورة في مرآة:
و يتابع الكاتب مقدماً جزءاً مما جاء في مقدمته للكتاب : 
"يعكسُ هذا الكتابُ جزءاً يسيراً من الحياة الفلسطينية العامة خلال ربع قرن، وقد كان للأسرة الثقافية في محافظة جنين حيزاً لافتاً فيه، واحتلت كذلك المواضيع الثقافية والاجتماعية والسياسية والجغرافية والأدبية مكاناً متقدماً. وبالتاريخ المُذَيَّلِ به كلُّ موضوع نضيءُ على نمط ِالحياةِ والتفكيرِ والظروفِ المحيطةِ آنذاك. وستجدُ نفسَك - وأنت تجولُ ببصرك صفحةَ الغلافِ الأخيرة- وجهاً لوجهٍ أمامَ الحقيقةِ الثابتةِ بأنها: "وإن طالت قصيرة".


صورة لأصدقاء العمر: 
بين صفحات الكتاب المئة و تسعة و ستين وهي من القطع الكبير ، ربما تلمح اسمك هنا أو هناك، فالإنسان هو صانع اليوم، و الحالم بالغد، وهو من حفر طوب الأرض ليجبل الذاكرة،و عن أصدقاء العمر تحدثت الصفحات و الكلمات، و تنوعت دون رتابة، فلكل منهم بصمته الخاصة وحضوره الإنساني الصادق و الخلاب في ذاكرة الكاتب وفي وعي القراء بعد هذه اللحظة، و أخجل من إيراد قائمة ببعض هذه الأسماء، فأما أنا فأقول أسماء، و أما الكاتب فهم بالنسبة له، كثير من روح، و بعض من ذكريات، و طيفاً من أحلام و أيام تقاسموها معا.



صورة لتراثنا الشعبي: 
و ليس التراث حكاية و بعض كلمات نفتش عنها في بعض أيام موسمية، توثق بها تلك العلاقة الهشة التي باتت تتسع أكثر مع ابتعادنا الإنساني عن الموروث الشعبي الثقافي المادي و الإنساني، و لكنها صورة حية حاضرة لتراث قدمها الكاتب من خلال صورة تعكس لتجارب عديدة المختار هنا و سيدة هناك، ومزارع و صاحب و يروي حكايات الهوية و التراث الشعبي بمواسم الحصاد، ومواسم الصبر، و الصناعات الشعبية كالشيد و صناعة الطوابين، و ما يميز تلك اللحظة التوثيقية هي الاتكاء على تجربة الإنسان الحية، فهو لا يهمل ذكر أسماء معاصرة يحددها تماماً، و يذكرها بغنى يوثق فيه للمدينة و المحافظة و بلدته جلبون على وجه الخصوص.

مقطوعات يوميات موسيقية فريدة: 
تميزت المقطوعات الأدبية الإنسانية التي قدمها الكاتب بتوثيق لحظة الآن التي سجلت فيها، فذيل كل عنوان بالتاريخ و اليوم الذي كتب فيه النص، وهذا بذاته أغنى الكلمة المنقوشة، فهي توثيق شفوي أحياناً، و يوميات تحاكي يوميات الكاتب خليل السكاكيني، و هنا لا أقصد النهج السردي الأسلوبي، أما السكاكيني فقدم مقطوعات يومية قصيرة تشبه ارتشاف بعض الهواء صباحاً، لكن أبو الرب غاص في تجربة توثيق لحظة اليومي العادي فاهتم بتوثيق اللحظات الشعورية، و ترجمة الصلة الثقافية و التاريخية لأمورنا اليومية العادية كتشغيل التلفاز و مشاهدة بعض الأغاني الشعبية مع الأطفال عبر قنوات البث التلفزيوني المخصصة للطفل.

صورة لزائر متطفل: 
هل جربت يوماً أن تلتقط صورة لزائر متطفل جاءك على حين غرة، حيث لم تكن مستعداً لاستقباله؟ هل جربت أن تتجول في أرجائك و زواياك و ترصد عيونه وهي تتفحص المكان، أقول أكثر هل جربت أن تضع يدك على قلبك، و تعد نبضاتك و تحدث نفسك عن شعورك آنذاك؟ على أي حال لقد فعل الكاتب عزت أبو الرب هذا عندما تتبع خطوات الزائر المتطفل" فيروس كورونا" خطواته في البيت، أقدامه في الشوارع، أصابعه التي بترت حميمية لقائنا بالأصدقاء، معداته، و أروقة المستشفى، و شوق عن بعد، و رمضان عن بعد، عيد عن بعد، دراسة عن بعد، حفلات عن بعد، لقاء عن بعد، حياة كاملة عن بعد، و صورة لمتطفل نخر بعمق في أيامنا.

صورة لجلبون: 
لن أسألك إذا كنت تعرف عن هذا الاسم الكثير(جلبون)، و هي اسم يحفر عميقاً في ذاكرة الكاتب، و ليست عنواناً من باب الوفاء لبلدته، فقد كتب في كتابه شواهد و مشاهد من ثورة العام 1936 كثيراً عن الدور الذي أدته جلبون في ذلك الوقت، برجالها و ثوارها و من خلال ما نقلته كلماته عن ذاكرتهم، كما قدم كتاب (جلبون سيرة و تاريخ) كثيراً من صفحات البلدة و تاريخها الإنساني و الإجتماعي و السياسي، و لا تأتي العناوين التي قدمها في كتابه ( و إن طالت قصيرة) إلا إضاءات فكرية و ومضات سريعة عاجلة تغذي الروح و تؤكد الإرتباط بالجذور.

ورد من بستان:
هل تحدثت كثيراً و أسهبت بإيجاز ما تخبئه صفحات الكتاب و تحمله في طيها؟ لا داعي لأن أفكر مرتين، لأوكد أن هناك الكثير مما لم تشمله رؤيتي للصفحات، الكثير من العناوين، الأفكار الرؤى و التجارب، بستان بتضاريس مختلفة و تنوع حيوي بألوان مختلفة و أنواع الورد و عطرها، و أخجل أن أتحدث عن جوانب اللغة و السبك و الصياغة لأستاذي، و لكنك حين تقرأ الكتاب ستجد أيضاً بعضاً بوابة لغوية أدبية بين طي الصفحات.










تعليقات

المشاركات الشائعة