أدب اليوميات ....و حكاية التجربة


ممتع...مفيد...مسل: 

بروح الانصهار في تجارب جديدة و مختلفة، حاولت هذه المرة استثمار اللحظة، و رسم خطوط الوقت بشكل مغاير، و أتساءل دوماً هل يمكن للأشياء أن تكون ممتعة و مفيدة و مسلية وفي الوقت ذاته تفتح لنا بوابات صغيرة نطل منها على حجرة سرية معتمة في ذاتنا؟ 



أدب اليوميات:

في السادس والعشرين من أيلول بحدود الساعة العاشرة صباحاً، أعددت نفسي هذا الصباح للذهاب إلى مدرسة السيلة الحارثية الثانوية للبنات، وعلى مسافة خمسة و أربعين دقيقة سأبدأ ورشة فنية أدبية قصيرة، بالتعاون مع وزارة الثقافة/جنين، اخترت أن تكون حول أدب اليوميات، لطالبات في الصف التاسع، أول العمر الذي تبدأ فيه اللحظات الفارقة، فعلى مسافة صف واحد سيكون عليها اختيار مسارها الأكاديمي، خيارات تشكل الوعي، و بدايات النضوج.






الغد يبدأ اليوم: 

" أنا كلي شباب وآمال وطموح، و حروح يازمان مطرح ما تروح ببساطه كده .. تتردد هذه الكلمات في ذهني هذا الصباح، فأقف أمام الطالبات مشحونة  بتلك الآمال و الطموح التي يحملها كل منا، و أفكر أن الغد يبدأ الآن، ورغم جمالية موسيقى الأغنية، لكني أثق أن الزمان لا يروح بنا إلى أي مكان، فهو كفيف لا يرى، و يسير بعصاه خلف خطواتنا، إذن فهي خطواتنا وهي كلمات يومنا، و مذكراتنا اليومية التي تصنع الفرق في الغد.







يوم: 

كانت كلمة" يوم " مفتاحي القريب من كل واحدة من المشاركات، فكلنا نعرفه و نبدأه و نعيشه على أي حال، و أسمع من خلاله صبايا يتحدثن عن بدايات يومهن بتلقائية الكلمة، وسلاستها، و أمضغ بين شفتي ما علق في ذهني عن صعوبة التعبير الشفوي عما نفكر فيه، تحدثن عن الاستيقاظ مبكراً، و تأخرت بعضهن في ذلك، فكانت العجلة لحظتها التي تحدثنا عنها، و انتظرت إحداهن الأخرى لتسيرا معاً إلى المدرسة، و اصطفت واحدة منهن في الطابور الصباحي في المقدمة على غير عادتها، و كثير عن حكايات بسيطة، إلا أنها لحظة العمر الفارقة.






في يوم... في شهر... في سنة: 

المقاربة بين فن كتابة اليوميات و فنون كتابة القصة القصيرة، كانت مفتاحي الثاني هذا الصباح، فاليوميات حكاية أيضاً، إلا أنها حكاية يومنا، أزمنتنا الخاصة، بموازاة زمان لحظة الآخرين، وحكاياتهم، وارتدادات اللحظات الاجتماعية والاقتصادية و السياسية، استدعت الطالبات بعضاً من وميض  أوقات فارقة كزيارة القدس، وذلك استناداً إلى نموذج اليوميات التي قدمها خليل السكاكيني في كتابه(كذا أنا يا دنيا)،  و أستعيد كثيراً من تجارب فنية عالمية أوروبية و دولية، عربية و فلسطينية لأدب اليوميات ( فالدنيا قالوا متعبة،لكن عندى استعداد أركب مركبة في الفضا، وألقى لندايا صدى، لو بينى وبينه بلاد)، فأكون أقل من عدو...أكثر من صديق  في رحلة الطائرة مع الكاتب إبراهيم نصر الله، وفي هوس النجاح و التفوق الدراسي الذي تعيشه الطالبات أتحدث عن هوس العبقرية لماري كوري، و ...... بالإضافة إلى استخدام نمط اليوميات في أنماط أدبية مختلفة كمقالات و أعمدة عباس محمود العقاد في الجريدة والتي حملت عنوان اليوميات، وقدمت مقالات نقدية سياسية، اجتماعية واقتصادية وثقافية للمجتمع المصري و العربي آنذاك، و يوميات" آدم وحواء " للكاتب الهزلي مارك توين،و  "يوميات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم، إن مثل هذه النماذج قدمت حالة شجعت الطالبات على استخدام النموذج كحالة أدبية، و رفعت عنهن ثقل إفشاء الأسرار و الخصوصيات، وهو أمر طبيعي و أذكر أني أسندت ما يشعرن به بتجربة العقاد الذي أحرق يومياته الشخصية الخاصة قبل وفاته، حرصاً منه على خصوصية الآخرين في محيطه.




تقنيات سرد القصة و تجربة الكتابة:

(قل لي وسوف أنسى، أرني ولعلي أتذكر … أشركني وسوف أفهم)، و يتردد هذا في ذهني، علي إذن أن أدفعهن معي في التجربة أكثر، جربت استخدام تقنية سرد الحكاية، وهي واحدة من التقنيات التي تلقيتها ضمن برنامج ( طفل مبدع مستقبل مشرق) التابع لمؤسسة عبد المحسن القطان، الذي يهتم بتهيئة الطفل في مراحل التعليم الأساسي الأولى، فكان سرد الحكاية عن فتاة تدعى سارة، و باستخدام الرسم الأيقوني، تمت الإشارة إلى بعض الأنشطة اليومية، كالاستيقاظ ، ممارسة الرياضة، الصلاة، تناول الطعام ، الذهاب إلى المدرسة بالرسومات أولاً، و أسجل هنا إحساسي الخاص بتأثير و جاذبية اللون و الرسم و الورق، وقد بدأت كثير من الطالبات بتجربة رسم خطوط النهار الأولى لسارة، الفتاة التي لا يعرفنها، ولا يوجد في الصف من تحمل اسمها، لكنها تشبههن، فهي أيضاً في المدرسة في صفها التاسع.

جربت رسم حقيبة سفر، و غيمة في صباح صيفي مشمس، فكانت لحظة الخروج من رتابة اليوم، إلى المقاربة بين ما نحب وما لا نحب من أحوال الطقس و بدايات اليوم، استعادت بعضهن لحظة انتظارها للمسافر قادم، أو قريب زائر.

و لحظة بعد أخرى أبدت المشاركات استعدادهن لكتابة وتسجيل يوميات قصيرة، ترسم خطوط نهار سارة، ولأن لحظة الكتابة لحظة فارقة في ذهن و عمر كل واحد منا بشكلها الخاص، و نكهتها الفردانية، راقبت بهدوء اختلاف تدافع الخطوط، و استرسال الكلمات، وكان يكفيني فكرة البدء وحسب، سيما حين أسمع صوتاً يخبرني إنه لم يعتد الكتابة خارج صفوف اللغة العربية و الإنجليزية.



كان يومي: 

في محاولة للالتفاف على الزمن الإبداعي، أدعي أن فكرة البدء سهلة، و أن هناك مجموعة من القوالب البسيطة يمكننا أن نبدأ بها، كأن أقول أشعر أنني...أفكر ب...، إنني ممتن ل....، أنا قلق.. أنا سعيد....هذا صباح مشرق...، أقول هذا و أعي أننا من يصنع الفرق في العادي و الطبيعي، وهكذا رأيت اختلافاً في تسجيل الانطباعات الختامية لتجربة كتابة اليوميات الأدبية والفنية لكل واحدة من المشاركات.





































تعليقات

المشاركات الشائعة