محاولات للنجاة ... وجوه أخرى للحياة

( و مجدداً أمزق ما أكتب ، كل يوم ألقي بعشرات المحاولات لكتابتكِ؟) محاولات للنجاة كتاب يحمل في طيه روح اسمه، و يلقي تلك الروح ببراعة كاتب يحاول إعادة صياغة الحياة، في محاولتنا الصعبة و المضنية للنجاة من كل ما كان و ما سيكون، إذ تدور رحى الآن و تطحن حروفنا، و تهرس كلماتنا، و تنهش صدى أصواتنا، و مجدداً أمزق ما أكتب! أيمكنني فعلاً أن أنجو أمام نص يحمل صوتاً وجودياً، يستعيره من حناجرنا، و قيح ألم لجراح لم تندمل إذ لم تجد فرصتها الذهبية لتحظى بضماد خلاب، و مجدداً أمزق ما أكتب! هل أنجو إذا سرت خلف ذلك الموكب و رددت تماماً ما يقولون، هل أصغي لهم فعلاً، هل يرونني حقاً!.

الألوان و الحكايات: 
كان علي أن أقف و ربما أجلس بوقار، و أقول معرفة الكتاب على أنه كتاب أدبي يضم عبر صفحاته اثني عشر نصاً، يسافر فيها الكاتب بين حياتين، فيرسم الموت في محاولاته للنجاة من الحياة، كان علي أن أقف لكن قدماي تؤلماني بعد كثير من الكدمات، في طرق نبحث فيها عن الحياة، ولا زلت لا أدرك تماماً كيف قلّب غسان في بحثه و بحثنا عن الحياة صوراً لموت تدريجي يومي نحياه و لا نكاد ندركه.

محاولتان لإعادة الحياة:
في محاولات للنجاة الصادرة في العام 2022 تحمل رحلة خلق طويلة يرويها غسان ببساطة مبدع لا يدرك صوت أقلامه فيقول : " محاولات للنجاة كتبت بين 2015و 2020. انتهت المسودة الأولى منها في العام 2019و أخذني سنة بعد ذلك لأتجرأ على نشر مقطع " جدد حياتك" من قصة و مسرحية " هوية غريب" ..... أنا لا أستطيع كتابة الفرح... لكني أكتب لأجله.

صورتين على متن حياة: 
 أقرأ بين غلافين محاولات لإعادة صياغة الورق، و هيكلية الذات، الألوان أيضاً لها صوت، فقد كانت ألوان باردة ساكنة محايدة تماماً بلون يقارب أن يكون أبيضاً، لكنه لا يكون، و يرتفع الدرج على لوحة الغلاف صعوداً حاداً ليصل إلى بوابه مغلقة، وما من مفاتيح معلقة في جيب شاب هزيل الملامح، مغيب الهوية، هو وهي محاولاته للنجاة، و تلك هي الحرب تدور برحاها فلا يصل و لا تصل.

هي أيضاً مغيبة الملامح، إلا أنها واضحة الهوية، باردة هشة،لا لون يشع في البعيد أملاً فيخطف أبصارها فرحاً، و يتناثر قليل من كل شيء يقيدها، و يسرق صوت الكلمات من أنفاسها، لكنها ثانية وعلى مسافة ورق تحاول إستعادة روحها في محاولات مضنية للنجاة.
 
محاولات إعادة سرد الألم: 
ربما تقودك كثير من النصوص التي تقرأها في لحظة شغب إنساني إلى كثير من الأسئلة التي تمضغها بين فكيك، و لا تقوى على البوح بها، أو التفكير بصوت خافت، تخشى تماماً أن يسمع ذهنك صوت أنفاسك، و بوح كلماتك، و بسذاجة ربما تفكر إذا ما كانت الأفكار تولد أفكارا فتصير كلمات، أو علها تكون محض ثرثرة فتصير أفكاراً في لحظة شغب صاخبة؟! لا أجيد التفكير، و لا أعرف كيف تفكك الكلمات، و يعاد تشكيلها، لكنها المرة الأولى التي أخطف فيها تلك الأفكار و الأسئلة من روح الحكايات عبر صفحات تمتد في ذات كل واحد منا، فغسان يصغي لصوت أمنياتنا الخفي فنحن بالكاد نحاول أن نحيا، و لأول مرة أفتش خلف صوته عن صوت الكاتب، وليتني كنت أستطيع أن أسأله إن كلُّ ما في الأمر أننا نريد أن نحيا ولا شيءَ آخَر ؟!.) وفي بحثنا المستمر عن شكل الحياة، تتولد صوت الموت في لحظاتنا، موت نحياه، وكثير من الموت يحيلنا، و يتشكل أمامنا في روح الحكايات عبر صوت سردي حكائي مسرحي متداخل، إذ تصغي لصوت الحكاية فتسمع صدى لصوتك في مكان ما، و تسرها في نفسك، فلا يجدر بنا البوح بالكثير.

جغرافية الإنسان: 
يتشكل المكان في الزمن الحكائي بطريقة شائكة هذه المرة، إذ يعجن الإنسان زمانه، و يعيد تشكيل مكانه، فيكون هو ، و تكون هي جغرافية الوجود، أول المكان، و أول الزمان، فبأنا تبدأ الحكايات و فيها تنتهي، أنا محاولات الوجود، و البقاء، أنا محاولات مقاومة الموت، بكل صوره المعلقة في أطراف لحظاتنا، بصوت الكاتب يهرب غسان من جغرافية فلسطين إلى جغرافية الوجود الإنساني، لكن أقداره تظل معلقة بحبال الحرب، ليست حبالاً على أي حال، لكن صوتها جيد و يروق لي، في محاولات لإعادة صياغة الألم، و الهروب منه إلى فية حب ما، وفي جغرافية الإنسان حتى ذلك الحب لم يكتمل ليكون صورة من صور الحياة، فهو واحد من صور الموت غير المشتهى، الحب المعلق بحبال الخيبات،( حبيبي أسمعها كل ليلة و أعجز عن قولها،لست أشتاق إليها ، لكني اشتهيها،كما تشتهيني كل العيون المكتبة على الأرصفة).

متن العناوين: 
تعرف كثيراً من العناوين، و تدرك عنا كثيراً من الحكايات، إذ تنبش بصوت السارد و أناه كثيراً من أحلامنا و أمنياتنا، وأوجاعاً ضربت عميقاً في الروح، ذات حرب ما، ذات تحقيق صاخب لا تكاد تسمع فيه صوتك، حين حلم لم يكتمل، وعلى متن العناوين ترسم ثانية صورة لمحاولاتنا الخاطفة للحياة، فبالكاد تكون العناوين كلمة سريعة خاطفة، ( طبيب، ممرضة،حلم،تقمص،مصاب،هارمونيكا) و في عزفنا المنفرد تتأرجح بعض العناوين المعلقة على متن انتظار، فتكون( حالة سقوط) (لجسد ومشنقة)،في( محاولات للنجاة)، تضيغ ( هوية الغريب) قبل أن يقول (شيئاً أخيراً قبل الانتحار)!

هذه المرة لا يمكنني ابتداع خاتمة مذهلة، و ثانية سأسمع صوت صدى الكلمات، فالحياة رهاننا الخاسر(سقطت قطعة النقد الأخيرة أرضاً،على إحدى وجهيها، فما من احتمالات أخرى ،كثيرون قالوا: أنه وجه الموت، و كثيرون قالوا: أنه وجه الحياة.



تعليقات