امرأة عائدة من الموت

امرأة عائدة من الموت


انبثقت خطوط الرواية في سطورها لتكون بكلماتها جسر النور الذي يبحث عنه البطل الرواية في كل أنفاسه و حركاته و أفكاره.


لقد جاءت رواية امرأة عائدة من الموت حالة من التمرد على القوالب الأدبية، جامعة للكثير من شتات اللحظات والكلمات والصفات. فهي الرواية الأدبية والإنسانية بما تعرضه من تجارب دقيقة لأشخاص تعايش لحظاتهم واحدة تلو الأخرى، فتغزل وشاحا خيوطه حكاية طفلة تبتاع دميتها وسط الحصار، وأخرى يبهت لون ثوب زفافها في ارتفاع صوت الموت.

 وتتشكل كلماتها حينا آخر لتكون رواية تاريخية تروي يوعي وحيوية وذلك التاريخ الفلسطيني السياسي، و يتراوح وعي الكلمة بين السرد حينا و تقليب صفحات التاريخ السياسي والنضالي وبين اتخاذ جانب واضح من هذا التاريخ، ويأتي ذلك بصوت الراوي الكاتب، أو مسقطا ذلك على أحد شخوص الرواية حينا آخر.

 وتترآى الرواية في لحظات كثيرة كرواية تسجيلية توثيقية لمرحلة قلما تم التعرض لها بهذا القدر من الوعي والانحياز لجمال الأدب، أكثر من التعصب لموقف ديني، اجتماعي أو سياسي. فقد حرص على عدم اظهار توجه واضح لشخوصه، كما أنه استرسل في متابعة خطى مرام المرأة العائدة من الموت، فذكر العمليات الاستشهادية الانتحارية في حديثه عن مرام بشكل مترادف ومتتابع دون اتخاذ موقف من مفردة ما أو من الفكرة ذاتها؛ إلا أنه ترك لشخوصه أن يتقلبوا في مواقفهم ومحاكاتهم ومحاكمتهم للأمر، عارضا لمجموعة من العمليات في تلك الفترة ما تم منها وما أحبطه الاحتلال فعرض لهنادي وعرين و الصبي ذي 13 عاما ولمرام .

امرأة عائدة من الموت رواية جغرافية اعتنت بتضاريس المكان ووصفته بتأن وإمعان وانحياز لجمال المكان. فوصف الشوارع والأرصفة و وأبواب القدس و مقاهيها، ورحلة الوصول إليها ، ووصف بيت لحم أحياءها و مهدها ومسجدها. اعتنت الرواية بالقدس وبيت لحم فكانت الرواية قصة لمدينتين و غريبين التقيا وولد تاريخهما الواحد متعلقا بالآخر.

أجمل ما في الأدب كلمة تتركك في حدود حروفها الأخيرة مع الكثير من الأسئلة التي لا تجد لها إجابات  واضحة واعية، وإذا كانت الرواية ظهرت تقريرية أحيانا، عاطفية حينا آخر، وتنوعت من باب لآخر فقد كانت غنية بتنوع شخوصها وقصص كل منهم .

الراوي " الكاتب" :

ظهرت شخصية الراوي الكاتب مثقلة بشغف البحث عن مجهول لا يدركه. هو الراوي كلي المعرفة يروي تفاصيل العديد من القصص، ويسرد التاريخ، ويفصل الجغرافية، ويسترسل في الكثير من المعلومات ويطيل في الإجابة عن تساؤلات عادية قصيرة كسؤال صديقته من أين أنت؟
إلا أن الجانب الانساني لهذه الشخصية ظل خفيا متواريا طيلة الرواية، وبدا يظهر في حديثه عن حصار بيت لحم وتفاصيل غيابه عن المنزل ووجوده مع الخوري والصحفي متوارين عن الجنود.
لم يخرج الراوي من بوتقته كثيرا إلا في المرات القليلة التي سمع فيها بصديقته بالحديث والتساؤل عن تفاصيله الخاصة في ظل كل ما يروي من حكايات وكل ما يحرص على تركه بنهايات مواربة.

حرص الكاتب على استخدام أوصاف لشخوصه وإخفاء كثير من أسمائهم، وإن كانت مبررات ذلك لم تبد واضحة في كثير منها.

ذات القلعة الحمراء:

جاءت شخصية ذات القبعة الحمراء بابا للكاتب للولوج إلى تفاصيله و مدخلا يدفعه للحديث عن مدينته.
استحضر الراوي هذه الشخصية من أدبيات الشعر العربي تماما كما استدعى شعراء المعلقات صاحبهم ليشاركهم في ألم الوجد للمحبوبة، فكان دائما محتاجا إليها ليحكي أكثر.

وقد كانت الفتاة المقدسية في حضورها تأكيدا من الكاتب على حضور القدس بابا للولوج إلى أدبيات النضال الفلسطيني في كل مرحلة.

ذات القبعة الحمراء الأنثى التي وقعت تحت سطوة ومزاجية كاتب يراعي في كل مرة ترك الباب مواربا والحكايات بنهايات مجروحة ليضمن خصور صديقته كل مرة لتعرف منه أكثر وتظل تسمعه وهي من صنع كفيه بلا هوية واضحة سياسية تحد من صورتها، إلا أنه بالغ في القاء دور المستمعة إليها فبدت محايدة وسائحة لا تعرف الكثير من التفاصيل حتى وهي على مقربة منها، كما جاء في حديثه عن دخول شارون إلى الأقصى ، كما أن طبيعة علاقته الانسانية بها كانت واهية.



واكبت الرواية مدنا وأشخاصا وحكايات ومرحلة حيوية حاسمة هامة في التاريخ الفلسطيني على قدر من الوعي والانتماء لجمالية اللحظة .      

تعليقات

المشاركات الشائعة