قطعة صغيرة من الأرض

قطعة صغيرة من الأرض
أليزبيث ليرد وسونيا نمر
قطعة صغيرة من الأرض هي رواية للأطفال واليافعين صادرة عن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي في العام 2003 للكاتبة سونيا نمر وإليزبيث ليرد بترجمة سمر قطب.
جاءت هذه الرواية نتاج عمل علمي أدبي بحثي مشترك بين الكاتبتين لتسليط الضوء على واقع الحياة في فلسطين-رام الله نموذجا-إبان حالات الاجتياح والحصار في أعقاب اندلاع الانتفاضة الثانية- انتفاضة الأقصى- في العام 2000.
تعرض الكاتبة الانتفاضة الفلسطينية الثانية الشعبية بدءا ، ثم ما آلت إليه من حالة عسكرة من خلال عائلة العابودي، إذ تمثل هذه العائلة شريحة كبيرة من المجتمع الفلسطيني آن ذاك، الذي تأثر من ارتدادات الانتفاضة، أكثر مما أثر فيها، فالأب واجه حالة انحسار وكساد اقتصادي في متجره لبيع الأدوات الكهربائية، والأم" لمياء" واجهت أزمات عديدة بدءا من دورها كأم والقلق الذي تمضغه في كل مرة يخرج أنباؤها خارج المنزل، وصولا إلى أرقها كربة منزل تضبط موازين احتياجها على مواعيد يرفع فيها الاحتلال حظره للتجوال لساعات معدودة، ناهيك عن قلقها الاقتصادي ، وحذرها وهي تعمل كسكرتيرة جامعية بدوام جزئي، في المكان الذي لم يكن يلقى ذلك الهدوء.
فلسطين مساحات للتعايش:
عرضت الكاتبة قصة الصديقين كريم وجوني، رفيقا الطفولة، ربطت عائلة جوني وعائلة كريم صداقة مميزة، إذ كان والداهما صديقين منذ الطفولة أيضا، ناهيك عن علاقة الحب المتشكلة والحب الذي يكنه الابن الأكبر جمال لفيوليت " أخت جوني" في إشارة واضحة إلى التسامح الديني والقدرة على التكامل والتعايش.
فلسطين ارتباك المفاهيم و تسليم بالنظرة المسبقة: 
تعرض الرواية مجتمعا فلسطينيا متفهما، متقبلا للآخر، قادرا على احترامه، لكنها لا تهمل النظرة التقليدية الباهتة لأبناء المخيمات الفلسطينية، إذ يتعرف كريم على الجندب " سامي" ابن أحد المخيمات في رام الله، وإذا جمعتهم مدرسة واحدة، وتوحدت المناهج التي يدرسونها، يضهر كريم بحالة من الارتباك حيال معرفته بسامي، فهو يخفي ذلك عن أمه وأبيه وأخيه جمال، ويتجب إخبار صديقه جوني أيضا ، إلى أن تعرف جوني بسامي وخاض كريم حوارا داخليا أنب به نفسه، وحدث جوني أيضا بما يفكر، فبدأت مشاعره المضطرة بالانحسار.
الاستيطان ... احتلال آخر في عمر الاجتياح :
في الوقت الذي عانت فيه رام الله، نابلس ، بيت لحم، جنين، الخليل وغزة حالة من الاجتياح والحصار ومنع التجول، وجد النشاط الاستيطاني الفرصة سانحة لتطبيق ما بيته منذ سنوات، هكذا عرضت الرواية ما تعرضت له قرية عائلة العابودي من الاستيطان، حيث بنيت مستوطنة على أراضي القرية، وواجه كريم وعائلته خلال موسم قطف الزيتون رصاص المستوطنين الذين هاجموهم لمنعهم من قطف الزيتون، هكذا عاشت العائلة قلقا جديدا على حقلها الذي بات مهددا بالمصادرة بسطوة السلاح.
أطفال........... ملعب ......... وحصار:
في فلسطين أطفال لا زالوا يحلمون بمساحة يلعبون بها بحرية، مساحة لا يبدو أن الحكومة تلقي بالا لإيجادها، هكذا اجتمع الأولاد " جوني، كريم، سامي" وحلموا معا بتحويل مكان لتجميع الخردى إلى ملعب يتسع لأحلامهم، ولكرة القدم،كريم الذي لم يستطع أن يخرج للعلب في الساحة المقابلة للعمارة التي يسكن فيها، وتوجس الوقوف خلف النافذة خوفا من رصاص دبابة مشاغبة، الأولاد الذين عانوا حصارا خانقا، استثمروا في بضع ساعات رفع فيها حطر التجوال وقتا صنعوا فيه ملعبا، نظفوا الأشياء المتناثرة، وهنا تظهر شخصية سامي ، فهو الطفل الذي يبحث عن مساحة يلعب فيها، وهو اللاجئ المقهور، الذي فقد وطنه، وأخيه في السجن، وبين هذا التناقض وذاك خلق التحدي في رورحه ليكون في الجانب الآخر قادرا على مشاغلة دبابة، ومناكفة جسر بقنبلة لا تنفجر لتحدث ذلك الدمار ، تلك تحبط وتلك لا تجدي نفعا، لكنه هو وذاك التحدي.
صورة الجندي في رواية قطعة صغيرة من الأرض:
عرضت الرواية صورا عديدة للجندي الإسرائيلي المحتل، فهو الجندي الواقف على حواجز التفتيش العسكرية ، يتلذذ برؤية الناس ينتظرون إشارته للعبور، و يزيد نشوته أحيانا أن يتركهم تحت المطر ساعة من الوقت، عاريين من الثياب، كما أضهرت جنودا يساندون المستوطنين في اعتداءاتهم، وآخرين يقتلون الوقت في أزمنة الحصار ومنع التجول بإطلاق الرصاص و القنابل، ويعيشون خوفا من عابر فلسطيني يمر واثقا رغم منع التجول فيمطرونه رصاصا.
ومن جهة أخرى تتحدث الرواية عن جندي الاحتلال كشخص عادي، شخص له أفكاره ومخاوفه وأحلامه، هكذا يأتي حديث عم كريم له في القرية: " هم احتلال لكنهم مثلنا تماما بشر" وتأتي تجربة كريم المزدوجة في الوقت ذاته، فالجندي الذي أصابه برصاصة في قدمه، هو ذاته الجندي الذي أنفق الوقت مداعبا القطة مدللا إياها، مقدما لها الطعام.
إن الرواية بكل ما تقدمه تطرح تساؤلا كبيرا حول طبيعة الأفكار التي يحملها جيل الشباب الفلسطيني اليافع، وطبيعة الوسائل التي يعتقد بجدواها في الوجود والنضال، كما تترك الرواية الباب مشرعا لأسئلة حول المستقبل الذي يطمح له كل بطل من أبطال الرواية، هذه فلسطين فهل تتسع لكل الخيارات.


تعليقات

المشاركات الشائعة