أشجار وذكريات

أشجار وذكريات


كان له اسم موسيقي أحبه، ووجه أسمر لا يفارقه الشغب، كان يلقي كتبه ودفاتره ويركض إلينا، يلعب معنا، ويفض شجارا عالقا بيني وبين عهد، يطويه بهدوء، ويطوينا كلتينا بين ذراعيه، ونكون معا في لعبة أخرى نلون، نصرخ، نركض.
مصطفى كان يسرح شعري ويقول:" سأكون مصفف شعر محترف يوما ما يا جنى." الأحلام أجمل ما حملنا أنا، هو، عهد،نريمان، حسين، سامر، مجد، سلمى. الأحلام وحدها تحملنا إلى الخروج كل جمعة لنسير في طريق آلام يقف بنا قريبا من مستوطنة تنتزع أرض جدي، ونبع ماء تغازله جدتي إذ تستحضر لقاءها الأول بجدي في ظل نبع الماء، وعلى مسافة منا برج عسكري يطالعنا بعين ناقمة.
الليلة الماضية كنا نجلس:الأصحاب، العائلة، الجيران، ونقلب الحكايات، نتذكر الغائبين، أطلق مصطفى نظره بعيدا باتجاه حقل زيتون يقف كئيبا منزويا منفيا في سور مستوطنة، نظر إليه وأطلق تنهيدة قال بعدها:" يشتاق هذا الزيتون أهله، ليس أقسى من أن تكون قريبا ولا تستطيع الاقتراب ممن تحب، في المكان سياج ومستوطنة، وأشجار زيتون متعبة، لكنها لا زالت تقف، كما نقف نحن رغم التعب."
هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مصطفى عن الشوق بهذا الدفء. للجمعة صوت مختلف في كل مرة، بدت روحي قلقة هذا الصباح، خوف غريب سكن ملامحي،بهذا الخوف خرجت، وقفت إلى جانب أمي في المسيرة، أمي لا زالت تعاني جراحا كانت قد أصيبت بها الأسبوع الفائت، كنت أدعي حاجتي لظلها هذا النهار، لأظل قريبة منها إذا راودها الألم.
طاف الموت بنا، قرأ وجوهنا جميعا، سكن في روح مصطفى، لا زال المكان صاخبا لا يتسع لوجعي، لا يكفي لدموعي، لا مرهم يخفي حرقته، غاب مصطفى، غاب حلمه، لن يصفف شعري، لن نلعب معا بعد اليوم، ولن نتشارك الأحاديث مساء، لا زلت أتذكر كلماته، نظراته إلى حقل الزيتون،  قسوة غيابه تصنع من طفلة مثلي روحا تعتنق التحدي، تحترف الصمود والبقاء، وتقف بين المعتصمين ، بين الأهل والأصدقاء، وتعرف أن المكان باق إذ سكن الروح والذكريات.


تعليقات

المشاركات الشائعة