كاميرا


لا أحترف الكثير من الأشياء، لكن القلق علمني أن أكون يقظا كل الوقت، للمكان روح تعيش في عدسة التصوير، لتكون عمرا آخر لجدران النبي صالح، شوارعها، بيوتها، وجوهها. كانت الكاميرا درعا أحتمي به من ضياع البوصلة، منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه مسيرات النبي صالح في مواجهة عبث المستوطنين، وأنا أصغي لروح المكان، وأتذكر أصوات شهداء عائلتي في الثورة الفلسطينية، ومعركة القسطل،كانت النبي صالح مكانا صغيرا حافلا بالتحدي دوما، فلا زلت أتذكر حديث جدي عن ثورة العام 1939 لم يكن في البلدة سوى بارودتين، لكنهما ردتا عن المكان الكثير من الأذى، واليوم تحترف النبي صالح لغة أخرى حيث تتخذ المقاومة الشعبية لغة تدافع بها عن نفسها، وتدفع عنها الأذى ، وتؤكد فيها البقاء.

يجتمع الكثير من الجيران و الأصدقاء والأهل وبعض المتضامنين في منزلي الصغيركل جمعة ، ونسير معا في طرق مختلفة كل مرة ونصل إلى أماكننا المسلوبة، قريبا من نبع ماء استولى عليه المستوطنون، وقريبا من حقل صادره الاحتلال لصالح مستوطنة، وبمحاذاة حاجز عسكري، نسير معا بصمودنا نقف وبصمودنا نبقى فهذه الأرض لنا، هذا المكان لنا، هذه السماء لنا.

احمل معي عدسة التصوير دوما، أسجل لحظاتنا، وأوثق الطريق والمسير، وكل صخب يدفع به الاحتلال إلينا، صاخبا كان المكان حين دفعت بعدسة التصوير أرضا لأرد عن زوجتي ضربات جندي لا يرى من روحها مشوارا قضيناه معا أنا وهي في حياة عانقتنا ببسمة يوما، وأدارت لها وجهها بجفاء لأيام.


قالت زوجتي لي ذاك المساء بين رشفتي قهوة:" عماد إن لمياء بدأت تكبر، تنظر إلى المكان بوعي أكثر، بدأت تحسه، وتكتبه خبرا عاجلا صاخبا ، وصورة حية من الميدان." كنت سعيدا جدا بما تقول، ابنتي الصغيرة تكبر، تتحدى وتفتش في اللغة عن طريقة تقاوم فيها من خلال الخبر، جنى بدأت تنقل أخبار النبي صالح المكان الصغير الذي لا يصل إليه الكثير من الصحفيين كل جمعة، ليواكبوا كل احتدام مع قوات الاحتلال، نقلت لمياء الكثير من الأخبار، نقلت المكان الذي تحب في الصورة والكلمة، أما الصورة فلا زال  يشوبها الارتجاج، لكنها حية واعية قلقة. كنت سعيدا بها، روحي تربت على كتفها، تبتسم لعينيها، لعدستها الصغيرة،  أراها قلما سيكبر ليصنع من حروفه تعويذة تحمي ديار النبي صالح.افتخر بها إذ تقف إلى جانبي متحمسة تخرج إلى مسيرة أسبوعية في النبي صالح وتقول هنا سنبقى هنا سنظل، فهذه فلسطين التي نحب. 

تعليقات

المشاركات الشائعة