اجتياح

اجتياح

لا ندرك كيف ترسم تلك الأحداث القاسية لنفسها مكانا في يوم عادي، تعلم رشدي من والده أن يشد وتد خيمته لتقف صامدة شامخة بقماشها الرث وأعمدتها المتهالكة لتبقى شوكة عالقة في عنق المستوطنة  في الحديدية، تعلم كيف يكون مستعدا لنصبها في كل مرة تطال فيها آليات الاحتلال الاسرائيلي من الخيمة.

يحتفظ والده بأرض صغيرة يناضل كل يوم بحدة ، بكبرياء ليبق محتفظا بأرضه بعيدا عن شبح مصادرة الاحتلال لها، يبذرها، ويزرعها، يعتني رشدي بالأرض في عطلته المدرسية،ركب رشدي الجرار الزراعي كعادته، وراح يحرث ويرتب أرض والده، يقول والده دوما أن الغور جنته التي لا يستطيع العيش بعيدا عنها للحظة واحدة،  فلسطين تحتدم، المكان مشحون بالقسوة، غزة مكان صاخب، يرتد صخبه على الأغوار. 

كان يوما قاسيا، وقع رشدي فيه عن الجرار الزراعي، والجيش يرتعد خوفا ويمنع سيارة الإسعاف من اجتياز الحاجز، رشدي يحارب الموت تحيطه لهفة والدته، وقلق أبيه، وهو ينزف، ووالده يسابق الموت إليه، رشدي ينزف والمكان قاس، لا طبيب في الجوار، وسيارة الإسعاف لا يسعفها القلق، تحاصرها الآلات العسكرية وفوهات أسلحتهم، ينزف رشدي بين ذراعي والدته، ينزف حتى يخطفه الموت. تبكي أمه بحرقه، تتألم بقلق، يخفي والده دموعه ويطلق صرخة عالية كأنه يريد لرشدي أن يسمعها في سكونه: " أنا من الأغوار، هنا سأبقى، في خيمتي المهددة بالهدم، وأرضي المهددة بالمصادرة، خسرتك رشدي، رحلت رشدي أنا أمك إخوتك سنبقى وفاء للأرض لروحك للتراب

تعليقات

المشاركات الشائعة