أسئلة

أسئلة

كان للأسماء وقعا مختلفا في روحها، عاشت أيامها تسمع صوتا يناديها،قضت اللحظات تعد لزفافها من أحد أبناء الجوار  في خلة المية، ثوبها الأبيض، أحمر الشفاه الكرزي، وابتسامة مختلفة رسمها على شفتيه كانت كافية لاكتشاف روح أخرى، ومكان آخر.دفعها القدر إلى تلك الأسئلة عن قرية في الجوار، كانت تسمع  جدتها تدعوها" توانة" ، سعادة لم يترجمها إلا العناق بدت على وجهها حين عرفت أن لزوجها وعائلته بيتا قديما هناك، كأن لروحها عمرا آخر هناك، دفعت نفسها إليه إذ قررت السكن في بيت العائلة العتيق،أعدت نفسها، رتبت أروقتها، أوانيها، وعلقت بعض اللوحات، والصور، وأوشحة مطرزة، وتركت شباكها الخشبي مواربا على فناء  ترابي واسع لا زالت تفكر بزرعه، أي ورد يناسب طوب البيت القديم، حجارته العتيقة، وشبابيكه الخشبية.
يوحي المكان بهذا الدفء الذي تصنعه مساحة ضيقة، ببسمة وكثير من الكلمات طوت انتصار إحساس غربة تتركه مسافة بضع كيلو مترات بين قريتها ومنزلها الجديد.تكتشف في الأيام روحا أخرى، كانت تنتظر مولد ابنتها فرح، تسمع ارتداد صوت الوقت في روحها، إذ تنتظر حضور الطبيب إلى العيادة في زيارته الأسبوعية، فلا يوجد عيادة دائمة وطبيب يتواجد يوميا في البلدة،تجتاز انتصار تلك المسافة القصيرة الطويلة في آن إلى يطا حين يدفعها القلق للاطمئنان على جنينها" فرح"، و تستعين بأحد الجيران ليقلها بسيارته، إذ لا يوجد مجمع للسيارات العامة، ولا سيارات عامة في مكان بهذا الصغر والهدوء.

كان مكانها مساحة للحلم، للتأمل، للولوج إلى الروح، غنت لفرح، فكرت بها، حلمت لها بلحظات أفضل، هكذا بدأ حلم انتصار بتأسيس روض للأطفال، ستكبر فرح، سيكبر أبناء القري، سكنها هذا الهاجس تسعة شهور، ووضعته اقتراحا بين كفي رئيس المجلس القروي ورجال البلدة، فهي تؤمن أن  الأحلام لا تنتظر، الأحلام تصنع بإرادة الروح. رممت وأبناء القرية كهفا صغيرا، لونته، رتبت أرجاءه، زينته بالرسوم، بالأضواء القليلة التي تصل إلى البلدة  متسللة من بلدة مجاورة، وجهزته ببعض الماء، البديات البسيطة ترسم في النفس صورة لوجود آخر، لحلم أكبر.
بإرادة أم كانت معلمة وملهمة لطلابها بدأ مشوارهم في كهف صغير، قلق هو حلمها دوما، تعيش قلقا على طلابها الصغار، وتحيا قلقا وترقبا إذ تخشى أن يتعثر حلمها وتتوقف الروضة عن العلم، تخشى انتصار متابعة التربية والتعليم، إذ لا يصلح الكهف مكانا للطلاب، بهذا القلق وهذا الحب بدأت القرية تبني روضا للأطفال، لم يكن الحصول على تمويل لبناء الروضة سهلا، لكن مؤسسات دولية ساندت الفكرة، هكذا بدأ البناء ليكون جسرا للبقاء والتحدي، وعنوانا للمقاومة، هكذا صار للأطفال عمر أجمل يحيونه، ومستقبلا أكثر جمالا يفتشون عنه.حين تنظر انتصار إلى روضة الأطفال في طريقها عودتها إلى المنزل، لا تستطيع أن تنسى ذلك اليوم الذي قضته ليلا مرابطة تفترش جسدها فوق قطع الحديد، وبين أكوام الطوب لترد عن المكان خطرا بالهدم يهدد روضتها، إذ تتربص آلة عسكرية اسرائيلية في المكان.كبر الحلم بأبناء القرية ، صار روضة يقف أبناؤها  يبنون أحلامهم بروح طفل يكبر حلما. 

تعليقات

المشاركات الشائعة