ونعيش بين بين

ونعيش بين بين

وحين يمر الوقت فوق وجوهنا مرارا، ويعبر فوق مساحات وعينا، يسرق من الذات إحساسها بكثير من الكلمات،يطبق الصمت فوق وجوهنا،ويجعل منها مساحات شاسعة لأحاديث لا تروى،وكلمات لا يجرؤ وعينا على قولها، بهذا الكبرياء الصاخب، وبتلك الروح الواعية المستيقظة افتتح مسرح الحرية  في الثلاثين من تموز العام 2017 معرضي الصور بعنوانين متباينين ومتقاربين في آن، إذ حمل المعرض الأول اسم شجرة رمضان، وجاء المعرض الثاني بعنوان بين بين، ولا زال وعي البلاد بقادم يصنعه جيل من الشباب المحرك الأكبر الذي يمضي به مسرح الحرية، هذا جاء المعرض ختاما لدورة تدريبية استهدفت طلاب دورتي التصوير الفوتوغرافي في قسم الوسائط المتعددة، بإشراف المدربة براءة الشرقاوي.

أعلق العمر على الشجر:
بروح صاخبة مشاغبة علق طلاب قسم الوسائط المتعددة لوحاتهم وصورهم على فروع وأغصان الشجر، إذ اشترك عشرة من الطلاب في إعداد عدد كبير من الصور التي تروي شهر رمضان و تبني له حياة أخرى في الصور، وفي عيون الزوار العابرين في أرجاء المعرض، فشجر البلاد ينضح خيرا كل العمر، كل الفصول، ويجدد العهد دوما بالبقاء، وشجر البلاد لا ينسى زارعه،  لك أن تظن أن العمر يمر سريعا، وأن الأشياء تفقد روحها كلما تقدم بها العمر، لكنه رمضان يمر في عهدنا مرة كل عام، زائر وإن كنا اعتدنا حضوره، إلا أن له روحا تتجدد فينا، في صخب الأسواق، واشتعال الجلبة في مساءات الطرقات والأزقة الهادئة، وازدحام المساجد في ليالي الشتاء الباردة و نهارات الصيف الحار، رمضان يضيء عتمة الكميرات في سجادة صلاة خضراء، وصبي يستمتع بتجربة ارتداء دشداش أبيض وقبعة بيضاء،وعجوز يمضغ الوقت في انتظار آذان المغرب وهو يعد خرزات مسبحة خشبية مئوية. 
أعلق العمر على الحبال:
وإذ تمر سريعا وكأنك تفتش عن أحدهم بين وجوه مرتادي معرض الصور في مدرسة مسرح الحرية، اقرأ الوقت مرتين، ومر بوجهك فوق العمر مرتين،عد مثلي خطوة أو اثنتين وتأمل وهي معلقة على حبال كما لو أنها قطع غسيل تلقي عن نفسها ما علق بها من غبار، تحت عين الشمس، وترفع عن نفسها ما علق بها من العمر، من صخب، من تعب، وضوضاء سرقت متعتنا بتأمل احتدام صوت الحياة فوق عظامنا، وجوهنا تثرثر كثيرا، وإذ نمضغ بصمت في كثير من الوقت أوجاعا حادة مؤلمة، ونتلقى صفعات مرهقة من أكف لم نعهدها، تظل وجوهنا موسومة بكل وجع تجاوزناه على مضض، وكل ابتسامة باردة رسمناها لنوقف سيلا جارفا من ألم محتم، (بين بين)، عنوان عبر بجرأة عن روح وذات الإنسان، فنحن نعيش الحياة بين بين، ولا تكاد كفة من كفتي ميزان حياتنا ترجح على الأخرى فتشهق ذواتنا:) نعم هذه هي هويتنا الذاتية)، تتأرجح الصور معلقة على حبال غسيل، إذ ترى الوجه ذاته محموما بالقلق والوجع والترقب حينا، ومبتسما ضاحكا حينا آخر،ولا تستقيم كفتي الميزان في الحياة، إلا أن لها أن تتزن في وعي الصور، وتقنيات التصوير ( البورتريه) إذ توضح براءة الشرقاوي وهي تشرح هذه التقنية وتقول أن الفكرة تعتمد على اختزال صورتين للوجه ذاته من المسافة والمكان ذاته، وبالمقاس ذاته، غير أن التعبير وحده يتغير على ملامحه بين الضحك والترقب والقلق، وهذا ما يجعل العابر لأول مرة يظن أن الصورة مكررة على أن النظر والتأمل فيها للمرة الثانية يجعله يقرأ تعابير وصور أخرى
.
البلاد هذا المساء في حالة صغرى  :
في عمر البلاد عجوز تقدم بها العمر، وترك في ظهرها انحناءة واضحة، وعلى امتداد وجهها تجاعيد غائرة وأخرى بارزة، هي تلك بحجم الوجع والاشتياق للضحك، وبين وبين كانت الصور، وفي البلاد صبية يلعبون الكرة، وصبايا يجدهن أنفسهن بنسج مستقبل يشبه أحلامهن البسيطة، وبين بين يجتهد ثمانية من الطلاب في اقتناص صورة بين بين، بين شوق لابتسامة وعين ضاحكة، وروح تعبق بالوجع والانتظار، في البلاد عجوز ترك معوله للتو عائدا إلى منزله، وربما يكون مشتاقا لزوجته وأولاده، على أنه لن يقول لهم شيئا، وسيحتمي بالصمت، وبين وبين كانت عدسات الكاميرا تقتبس لنفسها عمرا بين ابتسامة دافئة لن يبوح بها، ووجه متجهم سيكون ترسه الكبير هذا المساء.
 لا تدع الوقت يفوتك :

ربما لي أن أثرثر أكثر، لكن الصور أكثر بلاغة مني، وربما أكثر جمالا، إذ تحتمل تأويلات بعدد العابرين فوقها، والمرتادين في صباحات المدينة ومسائها واشتياقها للغد المختلف الجميل ربما والقادم إذ لا خيار آخر. 

تعليقات

المشاركات الشائعة