المجموعة الشعرية أبجديات أنثى حائرة ...... تشظي الذات في جدلية الوطن


أبجديات أنثى حائرة ...... تشظي الذات في جدلية الوطن
صدر ديوان "أبجديات أنثى حائرة" للشاعرة الفلسطينية سماح خليفة، في العام 2017، عن مكتبة كل شيء حيفا، وقد كانت الفرصة مواتية لباكورة أعمال الكاتبة سماح خلفية، حيث طاف الديوان مشاركاً في العديد من معارض الكتاب، محليا، وعربياً، حيث يشارك في معرض عمان الدولي للعام 2017، بمعرض أبو ظبي الدولي، و بيت الإبداع، وغيرها من المعارض والاحتفاليات الثقافية. وقد حظي  الديوان بتقديم الدكتور عمر عتيق، حيث تناول محاور هامة في صيرورة بناء الديوان،والتشكيلات الفنية واللغوية، والأسلوب الأدائي للكلمات ووقعها في روح القصيدة، وقد اختارت الكاتبة أن تشكل من خلال لوحة الفنانة التشكيلية الفلسطينية المغتربة  الفلسطينية منال ديب ثنائية جدلية أخرى في عرض محتوى متداخل.
أبجديات حائرة .... أبواب مشرعة على الاحتمالات :
يطالعك الديوان الشعري " أبجديات أنثى حائرة" من بعيد، و أنت تقلب صفحاته واحدة تلو أخرى وتتقلب معها في موضوعات عديدة، متشعبة على مدار مئة وأربعة و خمسين صفحة قدمت خلالها عدداً وفيراً من القصائد يصل إلى ما يقارب الخمسين نصاً شعرياً، وإن هذا السيل الدافق من القصائد والعناوين شكل دفقاً أدبياً صاخباً جارفاً، متنوعة بين عدد كبير من الموضوعات، ورغم أن الكاتبة حاولت تحديد هذه العناوين العريضة بشكل وكلمات غير مباشرة، من خلال السماح لوعي القارئ و إشراكه في متعة اكتشاف صوت النصوص، ومرماها الخفي، موحية لمثل هذا التوجه في الإهداء الذي مهرت به صفحات ديوانها الأولى: فأهدت دموع قلبها إلى كل أنثى عالقة في قلب  ( المرأة ، الرجل، الحلم ، الوطن)، وهكذا جعلت دموع قلبها، والأنثى العالقة عوامل ثابتة، أمام أربع متغيرات تقلبت حروف القصائد بينها، في محاولة لرسم سلسلة متصلة من الأنا، على أنها لم تشرع إلى تبويب قصائدها وتصنيفها، وجمع كل قالب بشكل منفرد في باب يحمل عنواناً محدداً.
مفاهيم ذاتية .... و قصائد للبلاد:
لا تكبل اللغة ذراعي سماح عن كتابة بعض الكلمات، وإبدائها حروفاً واضحة صاخبة في النص، لكنها سرعان ما تعود وتستدرك الأمر، فلا تتابع بالنفس ذاته، ويظهر هذا في مواقع عديدة،ففي مساحة العنوان تختار الشاعرة عنوان أبجديات أنثى حائرة، على أنها حافظت في صفحاتها على صوت المرأة والسيدة، " بمفهوم النوع الاجتماعي" وليس بالمفهوم الجنسي الجسدي " الأنثى" بكل ما يختلج في ذاتها من ارتباكات واختلاجات نفسية، يمكن أن تكون مشتركة وواسعة المدى، فرغم أنها تحدثت عن أنى عالقة في قلب رجل بالمعنى العاطفي، إلا أن القصائد لم توحِ بذلك،إذ إن تلك القصائد التي ألمحت عناوينها بشكل مخادع بعناوين ذاتية ففي قصيدة بعنوان " عينيك وحدك" نجد أن دلالات الكلمات الوصفية الدقيقة الأولى " وأنت تتكورين على نفسك في تلك الزاوية المهجورة.... على سفح روحك الممتدة" دلالات وصفية حسية إلا أنها توازن ذلك حين تغذي النص بعبارات مثل " حجارة الوطن، انتصارات، جبين الحرب،جبهة الثوار، وغير ذلك لتكون جملة لعينيك يا قدس خاتمة متاحة بشكل ما، وقد اعتمت هذه الإستراتيجية في تلك القصائد التي أشهرت فيها هويتها الفلسطينية، مثل " بين حب وحرب" فللوهلة الأولى يبدو العنوان مباشراً مفشياً حباً ما تبرعم في أتون الحروب، لكننا نجد الإستراتيجية ذاتها، فبينما يوحي الاستهلال بتلك الفكرة التي يرويها العنوان"على متن اللحظة التي تشد خيط الشوق ما بين قلبين" نجد أنها في القسم الثاني وهو الأخير حسب التقنية المستخدمة تورد في كلماتها روحاً مباشرة توضح ماهية الحب ذاك فهو " يروي جروحاً غارات، ويعمد الروح بسناه العذب لتدق الكنائس أجراسها، وتمسح عن مآذن القدس غبار الألم " بهذا فالحب كان القدس، والحرب كانت القدس أيضا،وهذا ينفي الافتراض  الأولى الذي أوحى به العنوان،وربما كانت اللغة الشعرية هي من تقف وراء هذا في مواضع أخرى مثل : " حب وقيد"، " عديني"،"تحرر"، " طفولة من نوع آخر " ،" بوح الياسمين" وغير ذلك من العناوين.
صوت مباشر للقصيدة:
حملت بعض القصائد صوتاً واحداً مباشراً لا يحتمل التأويل، ولا يقبل الجدل، وقد كان هذا واضحاً في مباشرة العنوان، و الجمل الافتتاحية حتى نهاية القصيدة، هذه القصائد جاءت محملة بالمضامين أكثر منها محتشدة بالزينة ومساحيق الجمال الإبداعي، ومثال ذلك قصائد" ميثاق القدر"، " واقع مؤلم"،" حلب"،" الحق أنت" ، " بصمة كنعانية"، بهذه العناوين تناولت الشاعرة جملة من الموضوعات الوطنية الفلسطينية الشائكة، وقد ابتعدت هنا عن متعة التجسيد، والمواربة،وبشكل فردي انطباعي أجد أن مثل هذه العناوين تحمل صوتاً لمقال نثري بطريقة ما،وربما هذا يفسر الإيقاع السردي الذي يقارب إلى حد كبير نهج القصة القصيرة، في صوت القصائد المقدمة، كزفرات و خواطر ذاتية لروح فلسطينية حائرة .
قصائد توحي بروح رواية قادمة :
لا زلت أذكر أن الكاتبة سماح خليفة كانت تحتفي بوعد مشروع أدبي جديد تعتزم تقديمه خلال العام القادم، وهو عمل روائي، وإذ ذاك أخبرتها أني قد أكون أكثر قدرة على رؤية خطوط الرواية ومساحاتها، من رؤيتي المتواضعة الانطباعية لنصوص الشعر، إلا أنني وبينما كنت أقلب قصائد الكاتبة لمحت وبشكل واضح ميلاً مباشراً لوعد بنفس نثري طليق، وقد بدا هذا في العديد من الجمل الشعرية :" غفوت على كف القصيدة بلدة، فتنبه الحلم إلى غفلتي فأمطر من قلب الغيم لحناً ناعماً"، " ترميه بسهم إجابتها: " لا يا سيدي، فأنا من بوهجها سحقت وهج الشمس، وطوعت العتمة في قبضتها، وداست أشواك الليل". إن هذه النصوص الشعرية النثرية تحافظ على سياق زمني، وتعرض للجزئية الانفعالية، وتستخدم الأساليب اللغوية العديدة، وهي دلالات موحية لدى الكاتبة في اتجاهاتها الأدبية نحو النص الأدبي النثري المدروس :" القصة القصيرة" " والرواية".
تدب حياة جديدة في صفحات كل كتاب بعدد القراء العابرين فوق كلماته، وبحجم و زخم تأويلاتهم التي تنفض عن ورقه غبار الوقت ماكثاً بهدوء ساكن على رفِّ ساكن .


تعليقات

المشاركات الشائعة