قراءة حول كتاب " سوسن" للكاتب شريف سمحان

قراءة حول كتاب " سوسن" للكاتب شريف سمحان
على مسافة من الراحة ،وقيلولة قصيرة على هامش الوقت،بعد أعوام طويلة من العمل الجاد في جمعية ومجلة الزيزفونة للأطفال،كانت استراحة الكاتب شريف سمحان ،استراحة ذلك المحارب الشرس الذي وإن ارخى جسده سائلا بعض الراحة والسكون، إلا أنه مخزون باروده لا ينفد أبدا، ولا يفرغ مشط سلاحه من الذخيرة،ذخيرة الأدب والإبداع والابتكار الخلاق،فكان كتاب " سوسن" الإصدار الأدبي النثري الجديد للكاتب في العام ٢٠١٩ مع مطلع شهر كانون الثاني / يناير.
يحمل الإصدار الأدبي الجديد " سوسن" والذي يقع في ٧٢ صفحة و يحمل بين طياته ستة و عشرين نصا أدبيا نثريا تكتمل في أكثرها السمات الفنية للقصة القصيرة،والقصة القصيرة جدا" الومضة"، ويشاغب قلم الكاتب ليعكس كثيرا من صورته،فيلبس كثيرا من نصوصه ضمير الأنا الحاضرة،أنا المتكلم الذات،وقت كانت ناجحة كثيرا و متباينة بين ضميري المؤنث والمذكر،فقد نجح في عكس الأنا في حنجرة الأنثى، وتلك الأنا الحادة في حنجرة رجل.
يشي العنوان بكثير من عطر الروح وارتيابها و ارتباكها، السوسن الزهرة التي تنام على جبال وسفوح تطل على البحر المتوسط، وتتخذ ألوانا عديدة تزهو في أكثرها مفعمة بالحياة، دائمة الأزهار بكل كبرياء، وسوسن هو الاسم الذي اختاره الكاتب لشخصية محورية وإن لم تظهر بوضوح جلي في قصة فرحة في المعتقل، فقد كانت سوسن هي الفرحة المخبئة في التفاصيل الشقية لسجين ينتظر انقضاء الوقت ليمتع روحه بها بالحرية التي كانت سوسن أحد صورها. فالسوسن هو العطر والشذى وصدى البلاد فلسطين وأعالي جبالها.
الإيجاز المحير:
يتخذ الكاتب من تقنية للايجاز المحير المثير الأسئلة و المشحون بعلامات التعجب و الاستفهام وسيلة تغلب على الشكل الأدبي للنصوص، وهذا ما يجعلني أحيانا أسميها الومضة، فهو يشغل نفسه ببناء الحدث ويترك التفاصيل المتعلقة بالشخصيات وتاريخها تبنى في خيال القارئ، وجاء هذا متوافقا مع العناوين القصيرة جدا للنصوص و التي تعتمد على كلمة واحدة غالباً بصيغة مفتوحة مشرعة، فلا أدوات تعريف: " هلوسات،خصام،انتظار،فراغ، شقاء،لقاء،شقراء، عنقاء" وكان هذا تصرفا أدبيا تقنيا مناسبا لطبيعة الموضوعات الذاتية الوجدانية التي تعالجها العناوين، وهو ما يقترب من مضمون كتابه مساحات للبوح .
قلب ينضح كبرياء:
لقد جاءت النصوص الوجدانية في الكتاب نصوصا تعبر بسمو عن كبرياء شامخ لتجربة نبض متمرسة إحساسا وارتيابا وصدق،وهي رغم ما تشيعه من شغب إلا أنها تكاد تكون مرسلة لذات واحدة،وموسومة بالصدق، فهو لا يخاف وشريكة حياته إلى جانبه،وتضيء شمع كل نص من هذه النصوص التي تتسم بالوجدانية،فهي حاضرة وهو يهلوس في طريقه الاعتيادي إلى ارجيلته،على دوار المنارة،ففي متون نص بعنوان " فراغ" تكون هي الشخصية التي ينفذ من خلالها ليجد نفسه في نهاية المطاف يحلم أن الوطن المستيقظ في التفاصيل:
وفي الوطن حكايات تستيقظ في تفاصيلها الصغيرة، فنجد الكاتب يرسم زوايا المشهد بحرفية و انتقائية، فأسماء البلاد و هوياتها الحضارية والاجتماعية، وتفاصيل نهارها الشقي العادي حاضرة في روح النص، ناهيك عن صوت الوطن المستيقظ ماردا شرسا خلف قضبان السجن،فالمعتقل الذي رسمت جدرانه، وتسلل برده إلى أوصال القارئ عبر سيل من الكلمات، كان طريقا للفرح و بوابة أخرى للحياة،القصة التي أخذت نصيبا كبيراً من الكتاب وتنوعت في اختلاف الزمن السردي، واستحضرت أكثر من ضمير بين متكلم و غائب، وبنت شخصيات قصصية نامية متحركة،متطورة، تناقش و تجادل و تفكر.
تغير رأيها، تنمو بنمو الحدث، تقبل ،ترفض،تهادن،تساوم،تفاوض،وهي بكل هذا ترسم صورة أخرى للوطن،فكم يشبه سجننا الكبير تلك السجون الصغيرة الباردة الواقعة تحت نير الاحتلال.
أرفق رابط الكتاب
https://drive.google.com/file/d/19sfiHOni8U_BPYNXpqzcLp8fWN9rCFIM/view?usp=drivesdk

تعليقات

المشاركات الشائعة