حكايات


استيقظ فارس محموما بالقلق بعد ليلة شائكة في مخيم، تعالت رصاصات قوات الاحتلال التي اقتحمت المخيم مساء، وجرى بين الألسن وبين درفات الشبابيك حديث عن مناضل تفتش قوات الاحتلال عنه، دعوه مخربا،بيته محاصر، عائلته يقيدها القلق، وليل بصوت صاخب، وطلقات نيران متعثرة.

لم ينم فارس ليل أمس، أرقته طلقات النيران، وأشعلته شابا، فتش في أزقة المخيم عن مكان تختبئ فيه ويلقي الحجارة على سيارات الاحتلال وجنوده ، ويهرب راكضا.


كنعان يرسم الوطن لوحة في ريشته وحلما لم يره، يتذكر حديث أمه إليه، ذاكرة بدأتها في مخيم اللاجئين، وزوج امتطى السلاح أكثر مما امتطاها، وغاب طويلا في سجون الاحتلال، وتركها وولديه كنعان وفارس، فارس كان بصحبة عمته في بيت لحم حين اجتاحت قوات الاحتلال المخيم، حجم الدمار كان كبيرا، الخوف كان أكبر، النكسة قاتلة كالموت، أعادت إلى الأذهان صورة نكبة بعيدة رواها الأجداد لتسكن الذاكرة، نزح كنعان ووالدته إلى الأردن، وطافت بهما الأيام، وبين سفر و آخر، ومكان و آخر، وسكنت وكنعان في السويد، حكت له عن وطن صار يرسمه لوحات، وأخ يشتاقه على هذه المسافة من القلق، و أب لا يعرف إن كان لا زال حيا.

كنعان يحلم ببلاد لا يذكر الكثير من أيامه فيها، يعرف من الوطن أمه، ويعرف عن الوطن حبها،عائلة لم يرها متكاملة يوما.
فارس يحترف الاحتدام، يجمع حجارته ويتصدى بها لجنود الاحتلال، المكان صاخب، فلسطين صاخبة، المكان محتدم، كنعان يعد لوحاته ويحلم بالطواف بها بين مدن فلسطين التي لم يزرها يوما، أعد لوحاته، وتعاقد مع شركة للدعاية والتسويق والإعلان لتتبنى إدارة عروضه وتسويق لوحاته والتنسيق للفعاليات المختلفة.
افتتح المعرض في مدن كثيرة، وحقق نجاحا واسعا، دخل فارس المعرض صاخبا، بعد أن سمع عن صدى لوحات الفنان السويدي الفلسطيني كنعان عودة، دخل ومجموعة من الشباب يحملون المقليعات والحجارة والعصي، صاخبين كانوا، حاولوا تحطيم اللوحات، صرخوا:" أي بلاد تحتاج هذه الألوان، أي تغيير تصنعه هذه الكراكيب." كان صوت فارس صاخبا، وهو يتعكز على عصا بعد أن أصيب بعيار ناري بعد اشتباك مع قوات الاحتلال الجمعة الفائتة.
اقترب كنعان محاولا الخروج من هذا المأزق، اقترب من فارس كانا يحملان الاسم ذاته، لا تشبه هذه العودة التي حلم بها، اكتشاف وطن مختلف في عيون أخيه، فارس عودة، وكنعان عودة: " أنا كنعان عودة فلسطيني حملتني النكسة وأمي إلى الهجرة وحيدين في بلاد كثيرة بعيدة، تعبنا كثيرا، لوحاتي تحكي عن أب كان نضاله وسلاحه طريقا دفعه إلى السجن، هل تعرفه، أنا لا زلت أتمنى أن أراه، ولي أخ كانت أمي تحدثني عنه دائما، تحدثني عن طفولته، وتتخيل معي في كل يوم أعيشه، كان اسمه فارس عودة ، هل تعرفه؟ .
وقف فارس ساكنا وقد ألقى عنه بعض حجارته:" أدعى فارس عودة، وطني كان المخيم، ووالد لا زال يمضي وقته بين سجن وآخر، ووالدة سرقها من الاحتلال في بلاد أخرى، هذه البلاد لا تعود بلوحاتك، هذه تحتاج السلاح."
نظر كنعان إلى الوقت: " أنا كنعان عودة، وأنت فارس عودة، لنا الاسم ذاته،تفتش عن أم، وأفتش عن أب، ولنا لغتان ووطن واحد، ألا تحتضننني بلغتينا يعود الوطن، بلغتينا يكون الوطن. "


تعليقات

المشاركات الشائعة