حكايات عن مدينة تشتعل بالذاكرة


حكايات عن مدينة أخرى....... تشتعل بالذاكرة

لا ندرك تماما كيف تتحدد علاقتنا بالأمكنة، كيف نرى ونسمع ونحس أماكن أكثر من غيرها. تخلق لبعض الأماكن ذاكرة إذ تتعدى الوقت الذي نعيشه، لنراها ونحسها في ذاكرة الآخرين، أيامهم وصفحاتهم فنرسمها بشكل أفضل ، تتغير صورة المكان وروحه، وبتغير العابرين فوقه، تترك طريقة التعاطي معه صداها في الأفكار والأشياء.

للشوارع ذاكرة وإذ تمر بهذا الشارع لا تهمل النظر في يافطة مهجورة مرت فوقها السنين، تغيرت هوية المكان وساكنيه، إلا أنه الوفاء" مسرح الحرية.... مدرسة التمثيل" في العام 1987 افتتحت النواة الأولى لمسرح الحجر، إذ احتضنه الأهل وتعاونوا معه واستمر فاعلا حتى العام 1995، وعلى مسافة شارعين تذهلك عزلة وهدوء المقر الجديد للمسرح الذي افتتح عام 2006 يبني جسورا مع الأطفال محاولا أن يكون موجودا في المحيط مع بعض المهتمين، في الوقت الذي تجد عروضه رواجا في أقطار العالم.
لا زال نبيل ينتظر يوما يمكن لفرق مسرح الشارع الجوالة أن تجد صدى في شوارع المدينة، ففي حين تقتبس الحكايات من آلام الشارع يكون هو الأحق بأن يرى ويسمع صدى صوته.

لا تنسى الشوارع وإن اختلفت تفاصيل هذا المكان مساء يوم ربيعي اشتعلت فيه النار في جمعية الكمنجاتي. صار للمكان ذاكرة وإن كانت تتجاوز الأسباب والوجوه، وتصغي اليوم لارتفاع الموسيقى بأنامل جيل جديد، إن كانوا قليلي العدد فهم نور في مكانهم الجديد وسط المدينة. ولا زال الشيخ يرى أن الغناء والمعازف حرام.


وكان على إياد ان  يستأذن صبية غنت مرحبة بنا في مدرستها، إذ أراد أن يسجل صوتها، ومضغ أمنيته بأن تكون  فردا في فرقته الموسيقية حين استدرك في سؤاله لها:" أيمانع أهلك انضمامك لفرقة موسيقية؟"

في ذاكرة أمي صورة أخرى لسينما جنين التي أسست عام  1952 بمبادرة فردية من الأهالي أيام الإدارة الأردنية، أغلقت السينما أبوابها استجابة لنداء الانتفاضة، وعلى مسافة 22 عاما عادت لتفتتح من جديد في مكان جديد، وإذا كانت اليوم تختلف عن الهوية التي عادت بها عام 2010 لكنه اختلاف الرؤى لازال يفرض نفسه في المكان، ففي الوقت الذي تحول فيه امي العرض إلى سينما تفاعلية وتدعو لبطل الفيلم الذي يفر هاربا من ملاحقة جنود الاحتلال الله يحميك يمة، الله يعمي عيونهم  عنك" لا زالت جارتي تقول أن السينما مكان مختلط فيه الكثير من مضيعة الوقت دون جدوى.


أمير استطاع أن يكتب نصه بخط يده. ففي الوقت الذي يرى فيه الأهل، و المجتمع في التعليم الأكاديمي هوية ضرورية لكل فرد لتضمن له الصورة والتناسق الاجتماعي. وجد نفسه يطوي السنين عاما بعد الآخر وصفا بعد الآخر، قبل أن يحدد لنفسه هوية أخرى أقرب لذاته. كم كان يبدو أنضج من شاب في الثامنة عشرة من عمره في عرضه المسرحي الأول.


جميل جدا أن نختلف، وإن يكون لكل منا وقع خطى مختلف، وخط مختلف على الورق،تشتعل الأماكن بالذاكرة، هي الذاكرة لا تسافر بعيدا، لا ترحل، لا تنسى.
 



تعليقات

المشاركات الشائعة