شواهد ومشاهد ثورة 1936 إصغاء لجغرافية الأرض
شواهد ومشاهد ثورة 1936
إصغاء لجغرافية الأرض
في نهاية العام
2018،وعلى مسافة اثنين و ثمانين عاماً من الثورة الفلسطينية على الحكم البريطاني
عام 1936، يقدم الكاتب عزت أبو الرب كتابه التأريخي التوثيقي" شواهد ومشاهد من ثورة عام 1936" وهو يجمع في هذا العنوان بين بصمة وصدقية شاهد يقدم شهادات
حية لحكايات و أحداث عاصرها، وكان جزءاً منها، تلك الشهادات التي كانت كفيلة برسم
وتشكيل مشاهد حقيقية واضحة وجلية، تقف ماثلة أمام القارئ، فهو لا يقلب صفحات التاريخ
عارضاً لأسباب و نتائج أحداث تاريخية عصفت في البلاد، كما أنه لا يقرأ على مسامعنا مخرجات أعمال مؤتمرات،
ولجان، لكنه يقدم صدى أصوات العامة، شوارعهم/ طرقاتهم الضيقة، و قلق ازدحمت
به جدرانهم الباردة، إذ تحاول أن ترد عن
الثوار المحاصرين المطاردين ضير القوات العسكرية الإنجليزية.
يقدم الكاتب
صفحاته بشكل متناسق مستنداً إلى المنهج التاريخي كأسلوب و منهج بحثي، إذ يقوم بإحياء الأحداث
التي حصلت إبان الحكم العثماني لفلسطيني، و تزايد الحراك الصهيوني و تزايد عدد الهجرات اليهودية غير
الشرعية لفلسطين، ومحاولة السلطان عبد الحميد التصدي لهذا الحراك، مروراً
بالانتداب البريطاني وما ترك من بصمات ونُدَبٍ في جسد المجتمع الفلسطيني، لا زالت
آثارها ماثلة حتى الآن. لقد كانت الشريحة الأكبر من المجتمع الفلسطيني من
المزارعين والفلاحين، هكذا كانت ثورة العام 1936 ثورة الأرض، ثورة زُراعِها و حُصادها
و فلاحيها.
يسير الكاتب عزت
أبو الرب منصتاً مُصغياً إلى صوت الشاهد الحي الحاج نافع حسن أبو الرب، محللاً ما يتوارد إلى سمعه
من معلومات، مقارباً بينها وبين ما توارد في سجلات التاريخ من أحداثٍ ووقائع، وإن
هذا الأسلوب الدقيق في التأريخ المستند إلى الرواية الشفوية مكّن الكاتب من فهم
الأحداث و الأمور التي تجري في الوقت الحالي، بناءً واستناداً إلى ما جرى من
أحداثٍ في الماضي، سعياً لفهم الواقع الفلسطيني الحالي، وما واجهته و تواجهه
القضية الفلسطينية من تحديات حتى اللحظة التي نقف فيها الآن، وقد بدا هذا جلياً في
ما أورده الكاتب في التوطئة التي قدمها عرض فيها لمراحل النضال الفلسطيني حتى
الآن.
قسم الكاتب
كتابه إلى عناوين رئيسية أربعة، وقسم هذه العناوين الأربعة إلى العديد من العناوين
الجزئية، وقد بدأ هذه العناوين بعرض السيرة النضالية الحياتية لعز الدين القسام، ثم
انتقل متجولاً في مراحل النضال والكفاح الفلسطيني تاريخيا وصولا إلى ما آلت إليه
مدينة القدس عاصمة فلسطين هذه الأيام، وقد تميز هذا العرض بتناول الجوانب
التاريخية بالتوازي بين ما أفرزته و أخرجته لجان العمل الوطني خلال اجتماعاتها
وتفاهماتها، وبين الجانب الكفاح المسلح، و
الكفاح الوطني الشعبي وما أنتجه على مدار سنوات طوال.
وكان العنوان
الأكبر في الكتاب والذي حمل على كاهله عنوان :" شواهد و مشاهد ثورة 1936"
إذ تجول في محيط المكان بين شوارع وقرى و أحراش محافظة جنين من وقرى جنين الشمالية
والشرقية من فقوعة و جلبون و عربونة و
أحراش يعبد، و عرابة و بيت إمرين، و برقة و قباطية وميثلون، وقد نقل الكاتب أصوات
ساكنيها ، و أعماراً واكبت و عاشت تلك اللحظات، لحظات ولادة ثورة 1936، و تتبع
سيرها وتأثيرها في النسيج المجتمعي لقرية
جلبون بشكل خاص، كنموذج لواحدة من القرى التي خاضت غمار الثورة الفلسطينية، قبل أن تأكل الثورة نفسها،
و تنضوي على ذاتها.
ليس سرداً
تاريخياً، ولم يظهر الكاتب معلماً للتاريخ، يروي لمجموعة من التلاميذ فيضاً من
تاريخ طويل، لكنه كان يشكل اللحظة و يرسمها بأبعادها كافة فتراها و أنت تقرأ ماثلة
أمامك مرأى العين، قريبة منك ومن جغرافيتك،فثورة 1936 ليست تاريخاً لغرباء لا
نعرفهم، بل هم أسلاف يسيرون منك مسرى الدم، من السّلف إلى الخلف، من الجد إلى
الابن إلى الحفيد.
و أنت تطالع
الكتاب تقرأ أسماء عديدة، لك أن تلحظها و إن كنت تمر على عجل، فعلى مدار إحدى وستين صفحة برزت أسماء عديدة لمناضلين و ثوار لا تغفل عنهم سجلات التاريخ، كما
تميز الكتاب بهامش لا ينفصل كثيراً عن متن النص، حيث أنه جاء متمماً مكملاً لما
جاء في المتن.
بدأ الكاتب
مقدماً لسيرة حياة ونضال المجاهد عز الدين القسام، و ختم صفحات كتابه وهو يعرض
لسيرة الراوي الحاج نافع حسن أبو الرب، وكأنه يقول أن الذاكرة حية دائماً، و بعض
من نسيج متواصل من جيل إلى جيل. من دمشق إلى فلسطين كان صوت العروبة والتيقظ إلى
خطر يكبل الأرض ومقدساتها بعض مما دفع بعز الدين القسام إلى فلسطين، حتى صار أبناؤه و أحفاده فلسطينيين يحملون الوطن الذي
اختاره لهم الجد القسام، هناك دائماً تاريخ آخر لا تأبه به أجندات اللجان وقاعات
الاجتماعات المكتظة بكل شيء على أنها قليلاً ما تفضي إلى شيء، هناك دائماً تاريخ
آخر يكتبه البسطاء أبناء الأرض، الفلاحين
الثوار.
رابط الكتاب للاطلاع
https://drive.google.com/file/d/1z7ms2hiUB1CF5svycMMYE9rj2eCFEgC0/view?usp=sharing
تعليقات
إرسال تعليق