وحشون


وحشون
أما وحشون فقرأتها مرتين، الحقيقة أنني لم أقرأ الكتاب و لم أتصفحه، قلبت الصور أولاً، وفي المرة الثانية أصغيت لقراءة حية مترافقة مع الموسيقى والصور، ويدفعني هذا للحديث عن الكتاب مرتين، مرة بما توحي به الصور، ومرة لما تقوله الكلمات، وثالثة لما تشي به النفس حين ترى و تسمع هذه القصة "وحشون".
ظلال الحروف:
يحمل العنوان "وحشون" ذلك الظل المخفف لكلمة وحش، بكل ما فيها من هلع وقلقٍ و ريبة، فإضافة الواو والنون أسلوبٌ للتحبب، و مثيل ذلك في اللهجة العراقية مثلاً:" يقال صغيرون" بلاً من صغير للألفة والتحبب،" وحشون" إلا أنه وحش على أي حال.
حروف الحكاية:
تعرض قصة وحشون حكاية الكائن الكبير الشرير! هل هو حقاً كذلك؟! لا يدري أحد إلى أي فصيل ينتمي هذا الكائن، هل هو ذئب، دبٌ عملاق، أم قطٌ كما تشي الصور، وهو وحشون الذي يرتعب منه الناس، وترتعد فرائسهم، على أن أحداً لم يلتقِ به من قبل، فهو يتجنب الناس،لكنه يحب النوم و اصطياد الفراشات، ويكتشف وحشون معانٍ جديدة حين تلتقي به فتاة صغيرة بزيٍّ أحمر.

الحكاية كلمات:
الحكاية كلمات ... فهل أقرأ الكلمات من تلك الزاوية التي أستطيع فيها أن أرى الفتاة الصغيرة،بذاك الزي الأحمر، والجرأة واللطف، والقدرة على خوض غمار المغامرة،كصورة أخرى للقصة الفلوكلورية الشعبية " ليلى والذئب"" وحشون"،لكن ليلى هذه المرة حدثته، تواصلت معه، كسرت هذه الرهبة المرعبة حول المفهوم المجرد " الذئب"، وبهذا يكون " وحشون" صورةٌ لذلك الآخر المرعب، الشخص الذي لا نتفق معه،زميلنا الذي قلما يتحدث في الصف، ويلزم مقعده في الكرسي الأخير، وهو الجار الذي بالكاد يلقي التحية صباحاً و مساءً بينما يلقي القمامة، ويصعد الدرج إلى منزله، و حشون هو ... وهو .... كثير من الأشخاص الذين تفكرون بهم الآن بينما تقرؤون الكلمات.
وحشون هو عدو لكنه ليس كما يبدو تماماً،فهو يرغب بالراحة، و أخذ قيلولة صغيرة، و الفتاة تغفو فوق صدره، ولا ترتعد ولا ترتعد أوصالها، على أنه لا زال غير راغبٍ بمدِ مزيدٍ من الجسور معها، رغم أن كثيراً مما في قلبه هش.
الكلمات قصص:
لا تترك مكانك شاغراً، اترك أثراً حيث أنت، فاوض ... جادل ... ابحث عن ذاتك ... اترك أثراً حيث أنت، بهذه الروح ربما تصنع فرقاً ما، في حيزٍ ما، قد تكون الأبواب موصدة، وقد نطرق الباب كثيراً ولا نحصل على إجابة ما، لا تغادر تماماً، اترك بعض الورد وارحل، اترك شجرة ليمون فربما تزهر، لم تحصل الفتاة بزيها الأحمر على كثيرٍ من الود و الابتسامات من وحشون، لكنها تركت له كتاباً صغيراً ووردة صفراء، وقد بادر وحشون في سره لقراءة القصص، واكتشف معانٍ جديدة لم يكن يلتفت إليها سابقاً.
قصص و أصدقاء:
في الكتاب قصص وحكايات، قلبَّ وحشون القصص والأوراق، وقرأ كثيراً عن الصداقة والأصدقاء، التفت يفتش عن الفتاة ذات الرداء الأحمر، لكنها كانت قد ذهبت،هذه اللحظة التي كان يمكن أن تنتهي الحكاية عندها وحسب، وتتركك لتفكر بذلك الكم الهائل من اللحظات التي فوتها، والأشخاص الذين مروا سريعاً دون أن تسمح لهم بترك بصمةٍ صغيرة في ذاتك، لكن القصة تستمر لنرى الفتاة تعود و تبادر تحدث و تجادل، لكن وحشون يبقى على موقفه رغم أن ذاته وتصرفاته تشي بغير ذلك، فهو لا يفتح لها مجالاً لمزيد من الجدل والحوار، لكنه يترك لها مساحة لتغفو فوق صدره، لكنه يظل متمسكاً بمساحته الآمنة، وذلك الانطباع بالخوف والرهبة الذي يتركه لدى الآخرين، فيحمي به نفسه من كثير من الألم والوجع والانكسار.   
في كل منا وحشون صغير، يسكن في خبايا الذات،ويحمي به ذاته من الألم والانكسار والقلق، في نفسي وحشون صغير استدعيه حين أدخل حيزاً صغيراً مزدحماً بكثير من الناس، فأرسم و وحشون ابتسامة صغيرة جافة، وابتلع كل ما لدي من حروف، وبالكاد أمضغ تحية صغيرة، وأجيب مستخدمةً تلك الإجابات القصيرة المغلقة التي لا تبني أي جسورٍ لحوار جديد، هكذا نظل أنا و وحشون في منطقتنا الآمنة، لا نغامر بكثير من الوقت، نراوح مكاننا، ولا نستحضر في عمر الوقت أي تجربة جديدة، أي حلم آخر، ولا ندوس معاً مساحةً أخرى، في كل منا وحشون نختبئ معه خلف مخاوفنا و قلقنا ونظل نراوح مكاننا.  

تعليقات

المشاركات الشائعة