بلا نق .... نصف الكأس الآخر

بلا نق
نق... نق ... لحظة بلحظة:
بلا نق.... نق ... نق ... نق وللوهلة الأولى وإذ سمعت تراتب هذه العبارات، وتكرار كتابتها على الصفحة الأولى من الكتاب توارد إلى ذهني حالة التكرار المتراتب في الحديث الذي لا يفضي في النهاية إلى شيء، بلا نق... إذ لابد أنها تقرأ بفتح الباء والنون وتسكين القاف لتكون أقرب للهجة المحلية المتداولة.
بلا نق ... لكن:
لكن الفضول دفعني للبحث، لأجد هذا الرابط الآخر لكلمة نق، فالمعجم يورد شرحا متصلاً بين الجذر نق والنقاق والنقوق والنقيق ... نق ينق فهو صوت الضفادع والعقارب والدجاج واليعاقيب، والنقاق هو دائم الشكوى والتذمر، والمعنى المعجمي يوضح هذا الترابط بين التذمر والشكوى والضوضاء والسلبية التي تحدثهما، وبين تلك الضوضاء المجردة الناتجة عن أصوات متراتبة عشوائية من الضفادع والدجاج مثلاً.
بوابة:
يقدم الكتاب بلا نق رؤية أخرى مختلفة لزوايا الحياة اليومية الاعتيادية، وطريقة تعاطينا وتعاملنا معها،وكأنه يقول لك انظر برفق فهناك جانب ممتلئ من الكأس، أنت لم تره لانشغالك بندب حظك لما فقدته من نصف فارغ لهذا الكأس، و ببساطة بلا نق، وقلب صفحات هذا الكتاب، بل قلب صفحات نهارك وستجد جانباً مضيئا على أي حال!

زاوية أخرى:
وفي صوت القصة يختبئ صوتان نتابع إيقاعهما المختلفين في صوت " ليا" وهي تقرأ سطور الحكاية، محاولة إخراجنا من حالة الضجر السائدة حالياً،والتي نقضي فيها كثيراً من الوقت في التذمر والنق، ففي اللحظة الأولى هناك لا الناهية الحازمة الجازمة الحادة، والتي تحمل نصيحة أيضاً.. فلا تنق إذا....، وفي الامتداد الصوتي الآخر يأتي الصوت بنبرة هادئة وكأنه يفتح نافذة، أو يرفع الستائر، لترى شيئاً من الشمس، لكن لا تغادر و " وخليك بالبيت"، ترى زاوية لم تكن تراها من قبل، وتدخلا فكرياً يقدم لك جانباً لم تفكر به من قبل.

صفحات نهارك:
الآخر ... وتغذية النق:
حين انظر إلى وجهي في المرآة وألاحظ بعض البثور وقد تناثرت بعشوائية بشعة على وجهي، سأبدأ بالتذمر،وسأفعل الأمر ذاته حين أشعر بوزني يزداد لأصبح بحجم كرة، أتذمر من صورة تبدو أمامي في المرآة، ذلك النق والتذمر النابع من انشغالنا بذهنية ما يفرضه علينا الآخر، آراء الآخرين، أفكارهم حيالنا، تقييمهم لنا،لما نبدو عليه، ننق نمتعظ،إذن ليس لعدم رضى نحسه،بقدر ما يشغلنا الآخر والصورة النمطية والقالب المقبول الذي خرجنا عنه على أي حال!

الرغبات والنق:
" إللي ما يطول العنب حامض عنه يقول"
أستذكر الأغنية وتلك القصة الشعبية "الثعلب وكروم العنب"، إذن نحن ننق لأن كأس رغباتنا لم يمتلئ تماماً، ننق لأشياء كثيرة الآن، لكن الصغار يتذمرون لرغبتهم في الحصول على الجائزة الأولى بينما أحرزوا الثانية! يتذمرون حين تطهو أمهاتهم الباذنجان بينما يفضلون البطاطس المقلية بالكاتشب!
يرتفع سقف رغباتنا كلما كبرنا أكثر،كلما أدركنا مساحة لم تكن معروفة من قبل، لكننا وإذ نتذمر و ننق نفقد تلك اللحظة الجميلة نعيشها، وذلك الفوز الصغير الذي حققناه.. فنحن نستحق قليلاً من البهجة على أي حال!

خيبة أمل ونق:
نق ... لا هذا ليس نصف قطر، وهي لن تكون أبدا دائرة من خيبات الأمل، قليلاً من النق يكفي! أنق كلما مضى عام من العمر، وأقول عام مضى وانقضى،ذهب وحسب ولا شيء فيه يذكر،كثير من التراكمات بينما أراوح مكاني! لكنها بهجة العيد جميلة حتى لو جاءت في يوم ماطر، إذ اتفاجأ بابن أختي الصغير" فارس"، نحتفل إذن الأيام لا تشبه بعضها أبداً، فلا تنق  في يوم ماطر ، فربما تحتفل في المنزل، وربما ستخرج وتستخدم مظلتك الجديدة!
تعلقنا واعتيادنا على التفاصيل يجعلنا نغفل ونهمل كثيراً من المتعة المستجدة، لحظة غربية جديدة قد لا تتكرر مرتين على أي حال!

تفاصيل يومية ونق:
أسمع كثيراً من النق كل صباح، كل ظهر ربما،إذ لا أستيقظ باكراً، يفوتني كثير من الشمس والهواء النقي، ويتذمر الأطفال إذ عليهم النوم باكراً، ويتذمرون لعبء حقيبة ثقيلة، وثياب متسخة،و حازوقة لا يجدي معها القفز، ولا شرب الماء، وصرصار يزن في الغرفة،هذه إذن تفاصيل النهار الاعتيادية، وكل ما كان من صفحات النهار، لحظات اليوم التي ستمر على أي حال، سننظف الغرفة ونخرج الصرصار! وتغسل أمك الثياب،ستجد حلولا كثيرة لكل مشكلة تواجهها،إذن فكر لحظة... فكر لحظتين! قبل أن تبدأ بالنق، فهذه تفاصيل نهارك فلا تشبعها بالنق على أي حال!

ملاحظة:
أفكر بالبحث حول فكرة النوم متأخراً يستدعي الضفادع، الضفدع يعني التراخي، وسياسياً يستخدم مصطلح سلق الضفدعة!





تعليقات

المشاركات الشائعة