الحكاية و كثير من التأويل

الثور الذي سرق حذاء الكنغر

الحكاية و كثير من التأويل:
تروي الحكاية في صفحة الغلاف كثيراً مما يسري في روح الحكاية، و يبدو العنوان ذلك الشخص الذي يقدم وشاية كبيرة، ويجهر بها، إذن ففي الحكاية شخصيتان محوريتان " الكنغر، والثور، و حدث مفصلي يتمثل بفعل السرقة، أما فعل الوشاية التي يقدمها العنوان فربما نقرأ في متنه هدفاً آخر، أبعد من لحظة الوشاية و متعة السبق الصحفي، فهل يسير الكتاب على نهج القصص الفلكلورية القديمة التي جمعها بيرو و حريم و غيرهم، مثل ذات الشعر الطويل، الأميرة التي ترتدي جلد حمار، القط الذي يرتدي الجزمة، أم هي محاكاة رمزية، ومحاولة حثيثة لمحاكاة الواقع، تماماً كما فعل زكريا تامر حين كتب حكاية:" النمور في اليوم العاشر" ؟!
ولا أتحدث هنا عن جودة العنوان، وضرورة أن يكون قصيرا موجزاً، ومشوقا، ولكني أفكر أكثر بلحظة تملك الفكرة، و استحكامها في الذات، وأشي بذلك الانطباع الأول الذي راودني لحظة سمعت الحكاية.

تستخدم الحكاية نحتا خاصة لأسماء شخصياتها يتمثل باختيار سمة مميزة فارقة لكل من الشخوص، باستثناء اسم كنغورة الذي اعتمد على التلاعب بالاسم كنغر، وإضافة تاء التأنيث الفارقة، و إضفاء نوع من الدلال على الاسم، أما بقية الشخوص فاعتمدت على سماتها، أم الريش للعصفورة والريش هو ما يكسو جسد العصفور، أما القرد  فكان إسمه شعابيطوا وهو ما يدل باللكنة العامية المتداولة على التسلق والتعلق وهي من سمات القرد، أما الثور فسمي شحوط، وقد فسر الكاتب في جملة معترضة في القصة الدلالة الخاصة لهذا الاسم :" نفخ الثور أنفه وشحط بقدميه، ولهذا سمي بشحوط"، وردت هذه الجملة في بداية القصة،خلال محاولات  كنغورة استعادة حذائها بنفسها، وربما جاء التفسير حتى لا يلتبس الأمر ولا ندرك الاسم ومغزاه ، أو ليقدم التفسير  لما سيأتي لاحقاً من خطة لاستعادة الجزمة.

الحكاية:
  تروي القصة حكاية الثور" شحوط"  الذي يسرق حذاء " كنغورة" و استولى عليه بينما كانت نائمة، ويبدو الثور في اللحظة الحكائية الأولى فرحا سعيداً، يقفز مرحا ويغني محتفيا بالجزمة" جزمتي يا جزمتي...." ويستخدم ضمير الملكية فهو يقول جزمتي، ويغني فرحا، وحين تستيقظ كنغورة تكتشف سرقته للجزمة، فتحاول استردادها منه، و تقوم كنغورة بجولات عديدة قبل أن تنجح أخيراً بتحقيق مأربها.

كثير من التأويل : 

 الثور و صورة العدو :
 هي التلة الربوة، الجبل، شجرة البلوط، حقل الأشواك، قرون الثور، صور أحدها يعكس صورة للبلاد حيث نحن، و ما تعيشه  فلسطين من احتلال وانتهاك يومي للحظة الحياة العادية، وهو الثور، بقرنيه، بجبروت السلطة، وحدة التبرير، وتلقائية و سلاسة الإبداع في اختلاق الحجة، إذ يقول " جزمتك جميلة و تعجبني وليس لدي مثلها!" هذا المبرر الذي يقدمه لفعل السرقة، و يمضي متمتعا بها وكأنها أصبحت شيئا أصيلا له، يقدم إذن رواية الحرمان لتبرير فعل السطو والاستملاك، وفرض السيادة على ما ليس له، وفي الجانب الآخر يستخدم التهديد والوعيد لمواجهة أي محاولة للتصدي و المواجهة لاستعادة الحق ... استعادة الجزمة فيقول : "  لمن تقولين حرامي ألا تعلمين أنه يمكنني أن أجعلك تندمين على كلامك" إذن فالثور صورة من صور العدو، بما يقدمه صوته من تبجح، وسيطرة .

كنغورة وصورة البلاد : 
كم هو مؤلم أن نرى بلادنا بكل ما فيها مما نحب بصورة كنغورة صغيرة، لا نعرف إن كان في جرابها كنغر صغير، أو أنه يعاني الأسر، وربما أكله الثور، الكنغورة متناهية في الضعف وقلة الحيلة، بالكاد يمكنها أن تشكو بثها و حزنها، الكنغورة تطوف محاولة كسب المؤيدين و الأصدقاء ليكونوا طرفا في حكاية قد لا تعنيهم تماماً، أما البلاد فطافت هي الأخرى تشكو ألمها و تحاول رأب صدعها، وقد كان لها من يتألم لألمها، و يحزن لحزنها، ويقاسمها الألم، قبل أن تتبدل موازين الوقت، و محاور القوة و التحدي.

كنغورة والحلفاء :
حاولت كنغورة استرداد حذائها، ويبدو أنها لم تكن تعرف في البداية من سرق حذاءها حيث تقول: أنا أبحث عن جزمتي منذ يومين"، في البداية استخدمت ما يكمن لديها من قوة كالركض، والقفز أعلى الشجرة، على أن هذا الاستعراض للقوة الممكنة المتاحة لم يؤت أكله، فظلت بلا جزمة، وظل الثور سارقا متباهيا متبجحا، لم تستخدم كنغورة من الأدوات بعد ذلك غير الشكوى و البكاء، هذه الأدوات التي ساعدتها في الحصول على حلفاء جدد يساندونها في مسيرة استعادة الجزمة وقد كان هؤلاء الحلفاء القرد شعبيطوا و العصفورة أم الريش.

الحلفاء وطاولة التفاوض:

ترتبط حالة التفاوض الفلسطينية بالطاولة، طاولة المفاوضات، وخرائط الطريق، وكثير من الأحاديث والحوارات والجدل، ولم تكن الطاولة في القصة مستديرة ليكون المفاوضون على قدم المساواة، كانت طاولة مستطيلة، على طرفيها يجلس كل من كنغورة، يقابلها شعابيطو على الطرف الآخر، ومساحة التفاوض المديدة بينهما، ونرى الحليف يسأل كنغورة عن الأسباب التي تجعلها تريد جزمتها، حتى يقتنع فيساعدها في استردادها، وهذه اللحظة تبدو غريبة جداً، فبينما اندفع لتقديم المساعدة أولاً نجده يفتش عن مبرراتها، وتقدم كنغورة سببين : إذ تريد أن تلبس الحذاء و تزور حقل الأشواك، كما أنها تخشى على حذائها لأن شحوط يسير بطريقة حادة" و هنا لا يمكنني أن أقفز عن اللحظة و أتجاوزها دون أن أحس غياب فكرة الملكية والحق، وهي الأهم والأجدى، ببساطة أريد استعادة جزمتي لأنها تخصني، لأنها لي، فالحق لا يبرر بأي حال.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                         
الحيلة لاسترداد الحق:

تقدم أم الريش حيلة ذكية تستند فيها إلى السمات العامة للثور، وشكل قدمه، وطبيعة حافره، فهو لا يستطيع تسلق الجبل صعوداً وهو يرتدي حذاء، يساعدها شعابيطو في تنفيذ هذه الحيلة،إذ يفتعل شقاوة بالقرب من الثور، وينخزه، ويفر هارباً بعيداً صاعدا إلى الجبل، و يركض الثور خلفه حتى ينزلق الحذاء من قدميه، هكذا تستعيد كنغورة حذاءها، هكذا يعود حقها بشيء من الحيلة والذكاء، أما نحن ففقدنا كثيراً مما نملك من حق على مدار سنوات طويلة من السجال، أما نحن فألقينا الحجارة وكانت أكبر ما لدينا من قوة، وأخطنا الرايات، و رفعنا الأعلام، وكانت أغلى ما لدينا، وكل ما نحمل من حلم، ولا زلنا نرى أن طريق الصعود إلى الحلم لا زال ممكناً ولو غاب الحلفاء والشركاء.https://www.facebook.com/TamerInstitute/videos/1230032137388382/


تعليقات

المشاركات الشائعة