برندة ٩٧ .... حياة بين عالمين

تختزل المنازل، و ربما البيوت في حالة عائلية حميمية كثيراً من الطاقة الإنسانية الكامنة في كل منا، المنازل، الجدران، الطوب، الكراسي، و الأواني و أصيص الزرع بعض منا، هل هذا ما أفكر به حقا، أم أن هذا ما قالته أو حاولت حلقات برنامج " برندة ٩٧"؟!
تعرف برندة ٩٧ عن نفسها قائلة: "تحاكي هذه الحلقات الأسبوعية واقع الشارع الفلسطيني في ظل إنتشار فايروس كورونا وما فرضته علينا حالة الطوارئ من حجر منزلي، مما قادنا إلى العديد من التساؤلات والأحاديث التي يجسدها في عشرة حلقات كل من الفنانة ميرنا سخلة؛ وهي كاتبة النص، والفنان نقولا زرينة بالاعتماد على نمط "الموقع الواحد" وهو الأسلوب المتبع في تصوير الحلقات وهو حالنا في الحجر المنزلي".
إن تجربة النص القصير المسجون في  الإطار المكاني المحدود تجربة فنية شائكة توازي تلك الحالة النفسية و الذهنية التي تشعرها حيال وجودك في مكان محدود، أنت تجلس فيه، وفي يدك مفتاح الباب، وبينك وبين الباب بضع خطوات وحسب، إنه السجن الإنساني الاختياري، لا أستطيع أن أوقف نفسي عن فكرة المقاربة الذهنية بين فكرة الحجر الفردي  الشخصي وفكرة السجن الاختياري التي خاضها المحامي الشاب في رواية الرهان لانطوان تشيخوف، أدرك أن المقاربة بعيدة زمانيا فالرواية تقف في حدود العام ١٨٨٩، لكني أتحدث حول فكرة المكوث في مكان ضيق لوقت محدد، وحول كثير من الأفكار التي تدور في بالك عن كل ما يجري في الخارج، سيما أنك لن تنال مليوني روبل بعد انقضاء الأشهر القابلة للتجديد على أي حال 🙂.
 إن الإطار الزماني المحدود في العمل  يمنح مساحة لإغناء تجربةالتوثيق الإنساني السريع في لحظة الأزمة ذاتها فهي  مجرد كورونا على أي حال، وليست احتلالا سيكون مستعدا دائماً لمباغتة مواقعك و تكسير القليل الذي لديك من أجهزة و معدات، إن السير و محاولة تتبع التجربة الإنسانية البسيطة ليوم الفلسطيني، و أفكاره الاعتيادية و غير الاعتيادية في نهارات مواجهة فيروس كورونا و التصدي له و محاصرته  تجربة جديدة لتوثيق الحالة الإنسانية وهي جديدة وصعبة في آن معاً، فخلال كتابتي الأسطر السابقة يلفتني بشكل ذاتي القاموس الفلسطيني الخاص، وفكرة المواجهة والتصدي والحصار، ويختلف الحجر على أي حال عن جبروت حظر التجول الذي كانت تفرضه سلطات الاحتلال في حقبة سابقة، ولهذا ربما لم يخرج أحد من الصبية لرمي فيروس كورونا بحجر🤔.

شكلت الحلقتين الأولى و الثانيةشخصيات العمل، فرغم ضيق المساحة، و محدودية الزمن الدرامي، إلا أن شخصية  الجارة بدت إيجابية أغلب الوقت، تتحدث كثيراً، تبدأ الحوار غالباً في محاولة لاستفزاز سكون اللحظة، لا تدرك تماماً أي توجهات شخصية أو فكرية لها، أو حتى سياسية فهذا ليس مهما في هذه المرحلة، لكنها تبدو إيجابية إلى حد يجعلك تفكر للحظة كما لو أنها مدربة تنمية بشرية، تنفس كثيراً وسينقضي كل شيء، و ستكون على ما يرام👍.
أما شخصية الجار، فيبدو فوضويا في مساحته الضيقة، و كثير من الفوضى الإنسانية تشتعل في ذاته، قد لا تسمعها، فهو لا يتحدث كثيراً، كثيرة هي الكلمات و الجمل التي تقف في سقف حلقنا، لدرجة تمنعنا من التنفس، على أنها ترسم نفسها و تخربش كثيراً على وجوهنا، و تنهيداتنا، يروق لي أن أشعر أن حالة هذا الجار حالة عامة وواسعة وهي مخرج طبيعي  حقيقي لكل ما يحدث في الأرجاء.
أفكر كثيراً في كلمة الأرجاء هذه، ويلي هل بات قاموسي يتغير أيضاً، أو أنني أفكر بشكل عالمي ربما، إذ أننا نتشاطر هذا الكورونا مع بقية العالم، على أنني أتأمل ألا يروق له المقام في بلادنا الأخاذة الجنة التي ليس كمثلها شيء.
جهد كبير الكتابة من البرندة مكان صغير و الحدث فيه صغير، من النفس التي تضيق فتسلي ذاتها بالقهوة و الشاي و الثرثرة، وزراعة كثير من الورد و ربما النعناع، إلى أحاديث أخرى عن هذا الجار، أو ذاك، أو عن بيان إذاعي، هل قلت بيان، لم أقصد ذلك تماماً هو فقط محض خبر أو تقرير، أو مؤتمر يومي اعتيادي، نعم فحتى المؤتمرات يمكنها أن تكون يومية، ويمكن البرندة أن تسجل الكثير من المذكرات و اليوميات.
كم نحتاج الغناء، هل نحتاجه فعلاً، الموسيقى تغذي الروح، و أنت تجلس مع روحك و حسب في المنزل، نعم أدرك أننا عائلات ممتدة، وأنك تجلس مع عائلتك، وتقضي كثيراً من الوقت تشاهد التلفاز، و تشاكس أصدقاءك عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعية_ وقلت منصات أيضاً _ صار لي قاموس مختلف وكم استغرب نفسي، ألا تكون المنصة مكاناً أكثر ارتفاعاً فيراه عامة وجموع الناس بوضوح أكثر، الآن نحن متساوون بفعل الحجر ، والكورونا و المنصات، كلنا على ارتفاع، من يرانا إذن!
على كل كنت أقول قبل أن استطرد بشكل لا أدركه أن لكل حلقة أغنية مرافقة تحمل اسم الحلقة أحياناً، سأقول أحياناً لأني شاهدت حتى الآن خمس حلقات، وهي أغان هادئة و فيها معنى إنساني يشبه كل البشر.
البرندة مكان ذكي لأنه يشكل مساحة بين عالمين، العالم الذاتي الشخصي الخاص لمنازلنا، و عالم الفضول و التطفل على العالم الخارجي الشارع، شرفة الجيران، حديقتهم، ابن الجيران.

تعليقات

المشاركات الشائعة