نفق أيلول و مساحات الحرية



تصنع الحرية ولا تطلب:

لا أظن أن أسرى الحرية الستة أصغوا إلى صوت الكاتب و الروائي الإفروأمريكي " جيمس آرثر بولدوين" إذ يقول أن الحرية لا تطلب إنما تنتزع انتزاعا، لكنه ميثاق الحياة التي ما زال الإنسان، وعلى عهد طويل من الزمن، و الاحتدام و الصدام يحاول أن يحياها، دون أن يجد الحق لأي كان بسرقة جمال الحياة و روحها، و كسر تدفقها بالسجن خلف جدران معتمة باردة.


أرادوا الحرية فساروا إليها و أمضوا ساعات الليل يلتحفون العتمة في الليل في شوارع لا يعرفون تفاصيلها، لكنهم يقرؤون في النفس شوقاً إلى الحرية، فصوتها يعلو فوق صوت الخوف، و يقفز من على عتبات القلق.

أيلول ميثاق ذاكرة جديد : 
 في أيلول سجل ستة من الأسرى الفلسطينيين في أيامنا، و ذاكرتنا طعما جديداً لأيلول، سيمر هذا العام 2021 و حين نستعيد بذاكرة أبناء البلاد " فلسطين " الحية في قلوب أبنائها أنى سكنوا، الذكرى التاسعة و الثلاثين لمجزرة صبرا وشاتيلا،في الثامن عشر من هذا العام 2021 سنمضغ ذكرى الألم و نتكئ على حجارة البلاد و نحن نطالع أخبار فرسان الأرض " أسرى النفق... أسرى الحرية".

 لم يعد أيلول أسود تماماً، فقد مضى كثير من الوقت منذ العام 1970، لكنه شغف استنشاق الحرية كان ولا يزال ذاته، تغير مكانه، تغيرت أدواته، تتغير شخوصه، لكنه الشغف للحرية دوماً يشكل حالة اللاوعي الصارخة التي تدفع ستة من الأسرى المسجونين خلف القضبان بأحكام طويلة من السنين تصل إلى المؤبد، و المحكومين بالأمل بالشوق و الشغف للإصغاء لصوت الحياة العادي.


فتصير الملعقة فأسا: 
في ذاكرتنا أسبوعين من الحرية المختلفة، تلك التي تنتزع انتزاعا، تلك التي نحسها ببضع ملاعق بالكاد نحرك بها حساء ساخنا لبعض الوقت عله يفتر، أما عن تلك الملاعق الست فيحكى أنها حفرت نفقا في الأرض، فكانت الفأس و كانت المعول، نؤمن فتصير الملعقة فأسا، و نشتاق الحرية و ضوء الشمس، حرارتها ساعة الظهيرة فتصير الملعقة سلما للسماء، و في أيامنا نشم  عطراً لم نحس ريحه على عهد طويل من الزمن.

فنون ترسم الحكاية:

"ستة بعين الحسود" أعادوا للذاكرة تلك ال" فلسطين" التي تسكن التاريخ و تمتد من النهر إلى البحر، فحين اشتاقوا للحرية هربوا منها إليها، ساروا بين جبالها، سهولها في عتمة الليل، ولكل منهم حلم صغير، صغير بحجم حبة تين موسمي، و صبر لا يميزه شيء إلا أنه من البلاد، و بهم شوق لشمس الصيف الساطعة، تلك التفاصيل الصغيرة العادية، و احتياج لحضن أم ذلك الذي لا نتوقف عن التوق إليه مهما امتد بنا العمر.

صار للبلاد ذاكرة جديدة، سنقول بعد اليوم" ستة بعين الحسود" و نتذكر الرسوم الفنية للفنان محمد سباعنة، الذي جعل من الرقم ستة أيقونة خاصة للمرحلة تتوسطها خارطة فلسطين، الخارطة التامة الكاملة التاريخية لا السياسية، و كأن بتلك الأيقونة والتي رسمت في مواقع عدة إنما ترسل و بصوت جلي رسالتها بأن وعينا الفردي و الشعبي لا زال يتمترس هناك عند تلك الحدود، لا يغيره شيء.




تعليقات

المشاركات الشائعة