حكايتي خطوات من وقت.... نرمين أبو طبيخ

 البرنامج التدريبي" حكايتي" خطوات من وقت

أضع هذا العنوان بداية ثوثيقية لسلسة كبيرة من المقالات التي ستسجل التجارب الفردية التي خاضها المتدربون و المتدربات ضمن برنامج حكايتي، و اللحظات التي وقفوا فيها لأداء حكايات متنوعة أمام الجمهور.

 
                                                    سعاد شواهنة

أما هي فمشاكسة،  بصوت رنان، و نبرات تعلو دائماً، و تتغير بين لحظة و لحظة، عن تجربة الفرق، و صناعة المختلف، الغريب، و الجميل المتناسق في آن واحد، عن الحكواتية نرمين أبو طبيخ نتحدث، عن تلك الأحلام التي نكتنزها في نفسنا، و نحرص على رعايتها، حتى تزهر الأحلام يوماً و يصدح صوتنا بها،   قلبت نرمين سنوات دراستها بين صفوفها المدرسية، و محاضراتها الجامعية وبين عيونها تكتنز حلما عله يصبح حقيقة يوماً ما، حلما تشكل من ذاكرة طفولة سمعت فيها صوت جدتها تروي لها الحكايات حتى تغفو، و كم كانت نرمين تقاوم النوم، و تظل بجفنين مفتوحين محدقة حتى لا يغيب صوت جدتها، و حكاياتها الممتعة .

نرمين أبو طبيخ، إحدى الزميلات المتدربات  في البرنامج التدريبي"حكايتي" الذي نفذته جمعية مسرح شظايا بدعم من الصندوق الثقافي البريطاني ومن خلال سلسلة من اللقاءات الإلكترونية عبر منصة زوم، بإشراف مدربين دوليين و عرب .
على مسافة أيام في الثلاثاء الثاني عشر من شهر تشرين الأول من هذا العام 2021 وفي تمام الساعة الخامسة استضافت أروقة المسرح العتيقة جمهورها من المجتمع المحلي و تنقلت بهم من حكاية لأخرى ومن حكواتي إلى آخر.

وقفت نرمين تعد تصغي لحكايات زملائها و زميلاتها و تحصي اللحظات و تقلب كفيها واحدا تدلك به الآخر، أطلقت نفسا عميقاً، و أشرعت أبواب خيالها على سماء من حلم و كثير من القصص و الحكايات . 
 
بروح الشوق لحلم كامن في النفس، مطوي على الأمل، معلق على حبال الانتظار وقفت نرمين بثوبها الفلسطيني التراثي الأسود المطرز بنقوش حمراء فلسطينية على امتداد الثوب، و يمتد وشاح من الدانتيل الأسود الحداثي، يمتد بامتداد الثوب، و يرقص مع هواء جنين في مساء خريفي دافئ، تستمع لنغمات موسيقية رقيقة تدق خطواتها واحدة تلو الأخرى، ينتظر الجمهور دخولها، هدوء المكان يكسره رنين حذائها تسير بخفة و سلاسة، و تسبق بسمتها كلمتها، يهدأ الوقت فتبدأ الحكايات.
"يا ما كان، زمان زمان، في  المروج و التلال، يا سامعين الكلام، يا سادة يا كرام، كان في ديك اسمه الديك الهادر!"

 
تتجول نرمين في مساحة العرض الصغيرة، في بهو المكان سجادة صغيرة، و حافة مرتفعة كما لو أنها رصيف، تصطف فوقها بعض أصيص الزرع، و أحاديث الجيران تعلو مع اقتراب الغروب، فقد عادوا لتوهم من العمل، يختلط كل هذا المزيج بصوت نرمين وهي ترسم للمكان روحا أخرى نحسها و نراها، إذ يتشكل صوت الديك أمامنا هادراً: 
" أنا الديك الهادر
طلعت على البيادر
بحشت بحشت بحشت
و لقيت حبة قمحة
وحبة القمحة...." 

لا تنسى حبة القمحة، فسنسمعها كثيراً من الديك، ومن صوت نرمين يعلو صاخبا مناديا مدويا،فحبة القمح هذه عادت على الديك بحفنة طحين، فرغيف خبز، فحزمة بصل، فجرة عسل، ثم ببقرة، و تاج عروس!
التسلسل في عرض الصور و الانتقال من مشهد إلى آخر، أوجد حالة من الحيوية لروح السرد الحكائي،و أضفى حماسا في وجوه الجمهور، حماسا لا يكسره أو يطفئه التكرار في الحكاية، فقد جعل التكرار من حكاية الديك الهادر شيئاً يشبه السلسلة، أو القلادة المعتقة التي تعلق في حدود العنق و تمتد طويلاً فوق الصدر، و على امتدادها هناك رتابة في ألوان حجارتها و خرزها فبين كل خمس خرزات بيض هناك واحدة بلون تركوازي مثلاً وهكذا انعكست صورة السرد في المرآة:
أنا الديك الهادر
طلعت على البيادر
بحشت بحشت
ولقيت حبة قمح
وحبة القمح بحفنة طحين
وحفنة الطحين برغيف
والرغيف بحزمة بصل
وجرة العسل بسخلة.
والسخلة ببقرة.
والبقرة بتاج العروس
أعطى أصحاب العرس التاج للديك فصار له عرف أحمر منذ ذلك الوقت.

هل تظن أن الحكاية تنتهي هنا بهذه الحكمة التي تفكر بها الآن و ربما تفتش عنها؟! أما أنا فمشغولة بالاستمتاع، نعم فهذا انشغال موفق جميل بالمتعة، و صوت نرمين الغنائي يتعالى : 
ع الروزنا ع الروزنا كل الحلا فيها 
شو عملت الروزانا الله يجازيها

يا رايحين ل حلب حبي معاكم راح
يا محملين العنب تحت العنب تفاح

تتنفس نرمين أوجاع حلب التي بدأت تلتئم، و جدرانها التي تحاول أن ترأب صدوعها، و تغني هذه الكلمات كثيراً، تقولها و تعيدها، تبتسم و تعيدها  و أنتظر أن تقول: 
 
كل من وليفه معه وأنا وليفي راح
يا ربي نسمة هوى ترد الولف ليا
فلا  هي تقولها، ولا تغنيها ولا نسمة هواء تهب فترد الولف ليا

 وعلى أي حال تحاول الحكايات أن تروي البلاد و نحن فيها، و نحن نطل عليها: 
لاطلع لراس الجبل واشرف على الوادي
وأقول يا مرحبا نسم هوى بلادي


نحن لا نروي لكم المواعظ و لكنها الحكايات تقول لكم الكثير، عن الصدق، عن بلاد و أمنيات، عن أحلام ببيت صغير و ضمة نعناع، عن أصوات الديوك التي اعتزلت الصياح مع ساعات الصباح، فلها أبواب و منابر، و مقامات أخرى للصياح فيصدح صوتها هناك، تقول الحكايات تحكي الكثير، و تترك لي و لكم التفكير بما تحمله من رسائل و أفكار.
   

تعليقات

المشاركات الشائعة