خطوات من وقت... هناء سويطي

البرنامج التدريبي" حكايتي" خطوات من وقت

أضع هذا العنوان بداية ثوثيقية لسلسة كبيرة من المقالات التي ستسجل التجارب الفردية التي خاضها المتدربون و المتدربات ضمن برنامج حكايتي، و اللحظات التي وقفوا فيها لأداء حكايات متنوعة أمام الجمهور.

 
                                                    سعاد شواهنة

أما هي فانسانة مختلفة تماماً، لها صوت حاد، و نبرات تعلو وتعلو، تتحدث كثيراً، سريعاً، ويتدفق كلامها هادرا كشلال حاد و لكنه عذب رقراق، و تتغير بين لحظة و لحظة، تحس في كلامها الهدوء و الدفء لحظة، و الشجن و القلق و الخوف أحيان أخرى، عن التجربة الفارقة، و صياغة الاختلاف، الغريب، و الجميل المتناسق، الإنساني الدافئ و المؤلم في آن واحد، عن الحكواتية هناء سويطي نتحدث.

عن الإنسان الذي تكتنز روحه كثيراً من كل شيء، عن تجاربنا التي تحفر عميقاً في ذاتنا و تصنع هذا المختلف الذي نكونه الآن، هذا ليس إلا القليل عن تجربة هناء، هل أحدثكم أكثر عنها، هل أخبركم عن غيرة بطعم السكر، و نكهة الفخر أحسستها و أنا أراها تسابق الوقت لتحقق حلمها،لم تشارك هناء في ورشات برنامج الحكواتي التدريبية الأولى، و التحقت في المراحل النهائية، لكنها كانت مسكونة بحلم مسرحي قديم كانت قد هجرته عنوة لسنوات، وكم نشتاق لتلك الزوايا و الأحلام التي نهجرها مكبلين بالعجز، كانت تجربة الحكواتي التي انبثقت من خلال البرنامج التدريبي حكايتي اللحظة المواتية لاستيقاظ كل هذه الأحلام المهجورة.

هناء السويطي، إحدى الزميلات المتدربات في البرنامج التدريبي"حكايتي" الذي نفذته جمعية مسرح شظايا بدعم من الصندوق الثقافي البريطاني ومن خلال سلسلة من اللقاءات التدريبية المباشرة ، بإشراف الممثل و مدرب الأداء الفنان علاء شحادة .
لقد كانت تجربة هناء حالة مختلفة، لم تكن الرقم الصعب، بل كانت الرقم الأصعب، فهي لم تفتش في سجلات الحكايات الشعبية، ولم تتنصت إلى أحاديث و أقاصيص الجدات، ولم تتعلق بطرف ثوب أمها وهي تزور الجارات لتأخذ عنهم الحكايات، بل رأت في الحكايات الفردية الشخصية المادة الأصدق رغم أنها الأصعب، و أحب هنا أن أخرج عن النص، تماماً كما فعلت هناء لأقول في زاوية ما أن ذلك الاختلاف كان حالة من النحت التي خاضتها هناء مع الفنان المدرب علاء شحادة للحفر عميقاً في الهوية الذاتية،و تلك التجارب الحادة، المؤلمة، الصعبة، التي بشكل أو بآخر تشكل ما نكونه اليوم، وما قد نصيره غدا. 
على مسافة أيام في الثلاثاء الثاني عشر من شهر تشرين الأول من هذا العام 2021 وفي تمام الساعة الخامسة استضافت أروقة المسرح العتيقة جمهورها من المجتمع المحلي و تنقلت بهم من حكاية لأخرى ومن حكواتي إلى آخر.
جلست هناء بين جمهور الحضور، كانت الغالي و الغالي للتالي، ولا أعرف ربما استمتعت وهي تصغي لحكايات زملائها و زميلاتها و تحصي اللحظات بانتظار لحظتها الحاسمة، التي ستقف بها و تعبر بين مقاعد الحضور المتراصة، و أحاديثهم وتطلق نفسا عميقاً، و تشرع أبواب ذاكرتها، و تفتح شباكها لنطل منه على بهو منزلها، و نسترق السمع لأحاديث الجوار، ففي الجدران ذاكرة،و كثير من القصص و الحكايات . 
 تعرفين و أنا أكتب الآن تنبهت أني لست نبيهة حاضرة الذهن، كيف فاتني أن أسألك عن أصوات و أنفاس و حكايات الجمهور و الزميلات و الزملاء يرون قصصهم، ربما سنكون إذن على موعد آخر معك تروين لها في حكاية أخرى همس جمهور ينصت أو لا يصغي لوقع ثرثرة حكائية أو مسرحية!


بروح الارتباك و الاشتباك مع الذاكرة وقفت هناء بثياب بلون أسود، هي لم تكن سوداء هي كانت بلون أسود، لكنها ليست محايدة، و ليست بكماء، ولا صماء فهي ثياب بألوان تصغي لنا جميعاً، ليست التراث المطرز الذي نرتديه في لحظات احتفالية لبعض الوقت كما لو أننا في حفل تنكري، لكنه العادي الأسود الذي قد نرتديه و نتجول في السوق لشراء ضمة من البقدونس وبعض حبات البصل.
 تبدأ هناء من لحظة الآن الصباحية التي تنقل الحضور من مقاعدهم إلى شوارع و أزقة المخيم:" هناء ... هناااااااء، يا ويلي شو بحب احكي ! بس بحبش الطراف . 
انا من أحلى وأجمل وأرقى حارات المخيم ( حارة السمران، بتصبح بصوت جارتنا بتصحى أولادها:   
يلا أنت و ياه قوم اصحى فز … وين اواعيك بدي اعبي زوم غسيل قبل ما أطلع… يلا أنت و ياها البسن و روحن ع المدرسة.
ومن الضوضاء العامة تنتقل هناء بنا إلى ضوضاء ذاكرتها المختزنة في النفس منذ سنوات الانتفاضة الشعبية الثانية، و اجتياح مخيم جنين.

الصعب أن تتحدث عن نفسك، أما الأصعب الذي جازفت به هناء فهو الحديث عن ذاتها مشاعرها، ألمها، أفكارها في إحدى نهارات الاجتياح الإسرائيلي المظلمة أمام جمهور واسع، فقد استعادت نهاراً كاملاً منذ الصباح، استيقظت، غسلت وجهها، و الثياب، و خاضت حربها الصغيرة بين أكوام الناس التي تبحث في سيارة UN عن بعض معلبات ترد بها الجوع في هذا الحصار، و أعدت الدوالي، و تعاركت مع جندي فج نقل لها بتهكم إنجازه العظيم بقتل أخيها، و تصارعت مع خبر وفاته يتردد إلى سمعها من ذاك الجندي، و ترى الخبر ذاته في وجه و عيون شباب الحارة من رفاقه، تسألهم فلا من مجيب، تمر بكل الأماكن، و تعاتب خطوها كأنها ترده عن ذاك البيت، لكنه نضال ينام هناك، يريح جسده لبعض الوقت.
يكبر الألم في روحها فيصرخ حديثاً حواريا شاقا مضنياً تحدثه، تقترب منه، كأنها تهز جسده لعله نائم فيستيقظ، تحدثه، تعاتبه،تصرخ ألما، تقول، وتعيد، تقول وتقول إلى ذلك الحد الذي تفقد فيه الإحساس بالمكان و الحضور، فهي لا تحس سواه يسمعها، و يغفو أمامها.
توقفوا عن البكاء و صفقوا بحرارة أكثر، و اصنعوا جلبة و صخبا أكثر لتعود من ذاكرتها إلى المكان حيث نقف و تقف.... شكراً لإصغائكم صفقوا أكثر لتسمعكم أكثر رجاء لتعود حيث نحن.

  
 .
    . 

تعليقات

المشاركات الشائعة