أتبع الخيط .... الطريق و انعكاس مرايانا


أتبع الخيط صفحة صفحة، كلمة كلمة، و أقرأ مرة و أسير خلف الخيط و بفضول كبير أحاول أن أعرف أين تراه يصل، و أغمض عيني فوق الكتاب فاسرح حد النوم، و يصير الخيط خيطي أنا، و يروق لي أن أعود ثانية لأقرأ الحكاية و أغير الضمير من المخاطب إلى المتكلم فأحس نفسي أسير خلف هذا الخيط، أقف في المنتصف، أحاول أن أنظر إلى بدايته فلا أكاد أراها، أسير و تلتف الخيوط حولي، أجد نفسي عالقة فيها، تماماً في الوسط لا إلى هنا و لا إلى هناك.

أتبع الخيط الكتاب الصادر في طبعته الأولى عن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي العام 2022، للكاتبة آلاء قرمان، و رسوم هيا حلاو، و تقدم صفحات الكتاب و كلمات القصة و رسومه حالة متكاملة فكلاهما معا يطرحان فكرة راسخة حول وعينا الشخصي للبيئة المحيطة بنا، و كيف يمكن لهذه البيئة أن تنحت هذا الاختلاف في ذواتنا، وطريقة تفكيرنا في الأشياء.
أما الصورة في الحكاية فهي حكاية بذاتها، فللصفحات ألوان تتنوع بين الأزرق و الوردي و الرمادي بدرجاتها المختلفة، كما أن الوعي النفسي لانعكاس تأثير المادة و المحيط بنا يبدو واضحاً في أحجام الصور و أبعادها، فالنوافذ، المذياع، السرير، المنضدة، الحذاء صغيرة الحجم، بموازاة نبات الصبار و الدرج.
الكثير من الأشواك تبدو في ملامح نبات الصبار، و مارد هو في الصفحات، لكن المشهد لا يبدو ناشزا، مشوها، و كأنه صورة أليفة ليست مؤذية تماماً، رغم أن حكايات الفأل و الخوف من تأثير طاقة الصبار في البيت تعود إلى ذهني، لكنه يظل صورة أليفة في المشهد القصصي .

هل أقول لكم كم ضحكت من نفسي و أنا أتبع خطوات شخصية لم تخبرني عن اسمها، وظلت تختفي خلف قناع بمنقار طائر، و كانت حافية القدمين، و لها جديلة واحدة طويلة قليلاً تنحدر على ظهرها، هذه الصورة بكل ما فيها يعيدني ثانية إلى لحظات يومنا و صخبه، فكم هي الأماكن التي نمر فيها دون أن نبدو تماماً، و دون أن نحس صدى أسمائنا يتردد في المكان، وكم مرة استخدم العابرون ضمير الغائب في حديثهم معك، ربما لأنهم لا يعرفون: " لو سمحت…. " 

يضحكني المنقار مرتين، ففي الأولى أجده صورة لاحتياجنا التقاط الفرص، و التفتيش عنها في كثير من القش و الأتربة العالقة في حياتنا، و مرة أخرى أراه سيفاً مدببا ننقر فيه كل لحظة و كل شيء و شخص لا ننسجم معه.
بجديلة واحدة معقودة متشابكة تظهر الإتجاه الأحادي في التفكير و و التشدد، تأتي الأقدام الحافية صورة معاكسة تعكس العطش للحرية و الانفكاك، بأقدام حافية تحفر موطئ القدم و كأننا نتعطش لترك بصماتنا حيث نكون.
تدور الكلمات و تتشكل بشكل دائري أحياناً، " أعود أحياناً الامام الأشياء التي تبعثرت مني و تكدست على طول رحلتي، أعود الآن لاراها أراها من زواياها المختلفة، أنفض عنها غيارها و أحملها" .

لا نملك فرصة التخلي عن ذكرياتنا، و ذاكرتنا، الكثير من الصور و الأشياء حولك تذكرك،و حتى أشياؤنا تكبر معنا و تنضج كلما تقدم العمر، علاقة المفاتيح الفضية، لا زلت لا أجد مفتاحاً أعلقه بها، لكنها تبدو جميلة.

على صفحتين متجاورتين رسمت خريطة الوطن العربي، و الكثير من الخيوط تلتف حوله، هو أيضاً لا زال يبحث عن الطريق، بعض اللوحات أحتلت صفحات كاملة و كانت ثرثارة لا تحتاج إلى كلمات، و جاءت الكلمات بعضها بخطوط عريضة، و بعضها بخط عادي، و جميعها باللون الأسود الحاد .
الطريق طويلة لكني لم أنسها، الطريق طويلة لكني أعرفها.

تعليقات

المشاركات الشائعة