حكايات مختبئة في غرفة علوية.... ورد و حكايات


 لا أقرأ بدافع الفضول عادة، شيء آخر يمشي معي نحو الكتب، ربما لن يمكنني الآن إفشاء سره، لا لشيء إلا أنني أخشى غيابه، فربما يزعجه الأمر فيهجرني، لكني على أي حال في هذه المرة قرأت بدافع الفضول و حسب، الواقع أنه كان كثيراً من الفضول الكامن في العنوان:  " حكايات مختبئة في غرفة علوية"، غرفة اسم مجرد، و هو نكرة" غرفة" إلا أنها علوية، و كذلك حكايات، و ببساطة أقول لنفسي بعد أن أتممت القراءة لو كان العنوان: " الحكايات المختبئة في الغرفة العلوية" لما حاولت الاقتراب و القراءة، و ما كان العنوان صورة تعكس الحكاية بحق.



تتبع الحكاية " حكايات مختبئة في غرفة علوية " للكاتبة انستاسيا قرواني في متن صفحاتها الكبيرة الملونة، و كلماتها القليلة نسبياً، أنفاس طفل مقدسي يدفعه الفضول لرحلة استكتشاف علوية، إننا في فضولنا نفتش عن كامن ما في نفوسنا، شيء ما نفقده بشدة، و نفتش عنه أنا كنا، نكون فضوليين حيال ما و من يهمنا، و على أي حال يروقني هذا
 المساء أن أفشي سرا آخر، الواقع أنني سرت من هذا الصبي في رحلته في المرة الأولى و عدت إلى نفسي أحمل بعض الأسئلة، بعضها فني، و كثير منها ذاتي، ولن أطيل الثرثرة أو أفشي مزيداً من الأسرار، سأخبرك فقط عن الفني منها! 
صوفي الحلبي.... لقد لفت انتباهي الاسم كثيراً ، الحقيقة فكرة استخدام الاسم و الكنية في حكاية للأطفال كان غريباً بالنسبة لي، و قلت لا بد أن يكون ذا مغزى دلالي، بينما أقرأ ذكرت القدس مرتين، مرة بشكل تقني تعريفي عن الفنانة في الصفحات الأولى للقصة، و الثانية بشكل فني سردي، حين فتحت الفنانة نافذتها و تأملت سماء القدس و شوارعها، و حاراتهاة، و قلت في نفسي القدس أيضاً لها سياقها الدلالي، تابعت القراءة حتى شدتني الأسئلة نحو غريزة البحث.
تنجح الحكاية في إثارة فضول البحث، فهي ليست محض سيرة ذاتية لفنانة مقدسية، إذ لم تحدد الإطار الزماني للحكاية، و لم تؤطرها في ضوضاء السياسة و الاحتلال، الفنانة الحلبي مولودة في العام 1905، و طافت في كثير من التقلبات السياسية فلسطينياً و عربياً ، و عاشت اللجوء من بيتها في القدس الغربية إلى القدس الشرقية بعد نكبة العام 1948.
لن تجد كل هذا في طي الحكاية، لكن الاهتمام الدقيق في نحت المكان، البيت بطوابقه الثلاثة، و رسم هذه العلاقة بين المكان و الإنسان الفلسطيني الذي يسكنه كانت حالة جلية في النص، خاصة عندما فتحت صوفي باب محترفها الفني أمام أعين الصبي، و في المحترف هو لا ينظر إلى اللوحات بل يشارك شغب رسم هذه اللوحات، لتكون هي الطريق التي يسير فيها، هي الورد الذي يزرعه، و الورد الذي يقطفه.
لكل منا غرفة علوية ما نهرب إليها متخففين من كل الطقوس و التقاليد الصارمة التي نلزم بها أنفسنا، هكذا جاء الفرق واضحاً بين الطابق الأول من البيت حيث تستقبل الفنانة زائرها و تقدم له الحلوى، و تدعوه إلى حفل شاي _ وهو تقليد إنجليزي هام، له الكثير من الطقوس الدقيقة، تبدأ من ترتيب الطاولة حتى تصل إلى الكلمات التي تناسب هذه المناسبة_  و تهتم صوفي بكافة التفاصيل، الطاولة، الزينة، مفرش الطاولة، الفناجين، الأواني، أنواع البسكويت و الحلوى المقدمة إلى جانب الشاي، هي غريبة الأطوار، لكنها تهتم أن يسير الحفل بدقة متناهية.
لكل منا غرفة علوية خاصة، نهرب إليها، و لا نحب أن يشاركنا فيها أحد، لكن الصبي كسر روتين التفاصيل الدقيقة للحفل، و خرج عن نصه المضبوط، كسر التقاليد إذن يمكننا الآن الصعود معا و اكتشاف الغرفة العلوية!
الأمر تماماً يشبه أن أكون مضطرة لارتداء حذاء بكعب عال ليناسب فستاناً ما، أو بنطالا من القماش بساقين  واسعين، و بالكاد أقف و أرتب الكلمات بصعوبة، فأهرول نحو أمرين، ألقي عني الحذاء و أهرب إلى بيتي، حيث يمكنني السير حافية، أو بحذاء زحاف بلاستيكي، أو أبدل ثيابي بأخرى لا تحتاج حذاء بكعب عال.
صعد الصبي و الفنانة صوفي الحلبي نحو الغرفة العلوية، و تجولا في المحترف، رسما الطريق، و طارا مع شقائق النعمان، رحلة الاستكشاف الجديدة تجعلنا نبصر المكان في روح الفنانة، فللقدس صورة في القلب لعين لم ترها، وقدم لم تطأها يوماً، و القدس صورة في ذاكرة من مروا من هناك، و القدس صورة و حكاية يرويها و يحكيها من كانوا و لا زالوا ملح الارض هناك، القدس الحكاية .... الصدى ... و الطريق.


تعليقات

  1. مبدعة انت ياسعاد وانت تطوفي في معاني الكلمات والطرقات والامكنة دمت بكل خير

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة