هنا فلسطين.... الطريق إلى السماء

 هنا فلسطين …. الطريق إلى السماء: 

 المكان " فلسطين" الأرض...الماء... و السماء"،هذي فلسطين وهذي النار و الجراح ... إني أطير و كل البلاد تنزف جراحا، يحلقون، يفرشون الأرض أحلاماً بحرية، و روحهم تصغي لصوت النضال الفلسطيني الأول إذ يعلنون الحرية فوق كل شبر يتم تحريره في الأراضي الفلسطينية المستعمرة من  الأراضي المحتلة.


في السابع من تشرين الأول حلق أبناء غزة على متن حلم الحرية، عالياً يحلقون بمظلات شامخة، فهو علم البلاد، وهي رعشات الحرية الساكنة في أجسادهم منذ لحظة الميلاد، يسير الحلم في دمنا، و نرى البلاد كل البلاد أكثر مما نرى صفحة وجوهنا في المرايا.
غزة أول الحلم، و فوق ترابها بدأت رحلة التحليق، الصعود إلى السماء، هنا افتتح الرئيس الراحل ياسر عرفات أول مطار فلسطيني ، يحلق أبناؤها حاملين تذكرة الإنتماء إلى الأرض، و يحزمون أمتعتهم، صاعدين على جسراً عالياً يصلون فيه عنان السماء، و روحهم تغني حياة تسر الصديق و تغيظ العدا.

 
 يطل الفلسطيني على قصص و حكايات الأرض، غزة برهن الحرية، غزة برهن الثبات و البقاء و المواجهة ، غزة برهن الحلم، و تدور رحى العدوان حادة قاسية، تجرف الأجساد ، تدور رحى الحرب تكسر كاهل الحلم، هبة أبو الندى رسمت كثيراً من اللوحات، لونت جدران حارتها، أزقة المخيم، الشارع الذي يصل إلى مدرستها، رسمت هبة كثيراً، كسر القصف الإسرائيلي فرشاة الرسم، و أسال ألوانها وفوق الوجع كان جسدها الصامت المدرج بدمائها يغفو تاركاً كثيراً من اللوحات بألوان رطبة لم تجف بعد، تاركاً كثيراً من الأحلام معلقة على حبال الانتظار.



غزة أولاً، و غزة أخيراً، هي الرحلة التي تظل تراوح ذاتها، و تمضغ وجعها، و تأكل قهرها، و تصرخ متألمة عاماً بعد الآخر، يصفعها الإحتلال مرة بعد مرة، وتحفر عميقاً في الذاكرة أوجاعا معتقة، وجراحا لا تندمل عن غزة نحكي وهي تواجه العدوان العام 2008، 2009،2012،2014،2019،2021،2022،2023، هل لا زلت أجيد العد، ألا زلت أقرأ اللحظات جيداً، تقدم البلاد قرابين الحرية عاماً بعد آخر، يصلي تراب الأرض صلاة الجنازة على أرواح أبنائه و بناته، أمهاته، أطفاله، شهداء غزة، سالم لم يتناول سندويشة الزعتر البلدي الأخضر هذا الصباح، سالم يرقد بجسد صغير فوق تراب و كثير من الحطام بعد ليلة قصف إسرائيلي عنيفة، و ترقد أحلامه باردة إلى جانبه، فقد رحل قبل أن يتعلم ركوب الدراجة الهوائية بإطارين فقط، و ليس بثلاثة إطارات.

يحمل محمود السرحي صورة يتطوف فيها بين الأهل و الأصدقاء،و بسمة دافئة ترسم على شفتيه فما هي إلى بضع أشهر، و سيكون على موعد مع حفل زفافه، هنا غزة، هنا غزة، ألا زلت قادرة على الاصغاء مع إرتفاع أصوات القصف الجو الصاخب هذا الصباح، هذا المساء، هذه الظهيرة، هذه الدقيقة، هذه الساعة، هل لا زال محمود قادرة على الوصول بسيارة الإسعاف إلى أجساد الجرحى المعلقين على حبال الإنتظار، على مسافة آمنة بين الموت و الموت في انتظار حياة ما في غزة.

يحمل محمود اليوم سرير و معدات الإسعاف، و يحمل حكايته الشخصية، فبين الوجوه المهشمة، بين ملامح الدمار و الموت الموزع في طرقات غزة، كان وجهها، كانت هي، وجهها ملون بالدم، ملامحهها غائبة، لكنها هي خطيبته، كان و كانت على انتظار حياة يعيشونها معا، لا زال محمود يقلب الأماكن كثيراً، يفتش في الحكايات عن حياة ما، فهو لا يستطيع أن يجلس ليحدث خطيبته عن حكاياته و أحلامه بعد الآن، فقد سكنت الغياب ، و نام جسدها في مقابر جماعية مكتظة بالوجع، و كثير من الجثث لشهداء كانوا فوق الأرض يحملون بالحرية ولا يزالون.

هنا فلسطين.... قد لا نستطيع التحليق.... لكنها الحكايات عنقاء لها أجنحة مديدة، و عمر متجدد يخلق من الرماد كل مرة، وهذا نحن و هذي هي البلاد… كانت تسمى فلسطين…صارت تسمى فلسطين… و زال الطريق طويلاً، ولا زال هناك الكثير من الحكايات.


تعليقات

المشاركات الشائعة