معرض الكتاب ...فضاء الطفل


تبدو المسافة طويلة من جنين إلى رام الله، تتلاحق كثير من الصور في الطريق، شوارع عليك أن تتأكد فيها مراراً أنك لم تنس هويتك الشخصية، هل ننسى هوياتنا أحياناً، ربما يحدث هذا كثيراً بسبق إصرار و ترصد واضح إذ ترغب في تجاهل صوتك الداخلي العميق، و الطفو فوق مخاوفنا، فحين أنسى ذاتي، و أتجاهل هويتي الذاتية سيمكنني أن أغمض عيني و أقف على حافة الحلم، و أتحدث بصوت عالٍ لا أهتم بأن أسمعه.

طائر الشمس: 
هل نحكي عن حلم الطيران حين نقرأ طائر الشمس؟ هل نفكر بالبلاد بأسمائها و جغرافيتها؟ أم ترانا نلتفت إلى أصابع عمالها و الحرفيين فيها، و عيون سيداتها و هن يحكن الصوف و يلبين العجين في ساعات الفجر الأولى؟ 
في فضاء الأطفال جلست مع زميلاتي من مكتبي مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي  نصغي لحكاية " طائر الشمس" و نرى تفاعل الأطفال القادمين من مدارسهم للمشاركة في الفعاليات المتنوعة، و نسمع أصواتهم يسيرون مع طائر الشمس، لا بل يحلقون معه و يرددون أسماء بلادنا، أرضنا الفلسطينية مدينة بعد أخرى، مرة بعد مرة يرددونها واحدة بعد الأخرى، لا يغفلون عن واحدة، ولا يخطؤون في المسار الذي تبعه طائر الشمس، الجميل الذي أحسست و رأيت في هذا النشاط كان التفاعل الجمعي، و اشتعال الأصوات معاً و ارتدادها في الخيمة، و خروج صداها في المكان، و الانصات إلى الأطفال يرددون أسماء مدن و قرى لم يدخلوا إليها سابقاً، و ربنا لم يسمعوا أسماءها.
شاركت زميلتي حنين أمين في فعالية قراءة قصة طائر الشمس لمجموعة من اليافعين ضمن حملة "أبي أقرأ لي" و التي نفذت في المركز الكوري في جنين، و أتذكر خلال تلك القراءة التشاركية كيف ردد المشاركون اسم كل بلد من البلاد بموازاة ارتباطها بهويتها المهنية و الزراعية، و أتذكر حتى اللحظة كيف ارتبط اسم حيفا بالورد، و كم كان هذا حميمياً وكم أشعل من ذكريات و أصوات في أذهان الأطفال الذين سمعوا كثيراً عن حيفا و قراها من أجدادهم من اللاجئين.

طائرة ورقية و حلم: 
أتذكر في صغري كيف كنا نطوي ورق الجرائد فيصير قارباً، و يصير طائرة، و كأنها أحلامنا تقودنا إلى التحليق بعيداً عن لحظة الآن الصامتة الراكدة. لم أجرب أن أطير طائرة ورقية ملونة معقودة بيدي بخيط، على سطح منزلنا، ولا أذكر أني اعتليت السطح، فلا زلت أنا و أحلامي نسير في فضاء مفتوح، لا نقوى على الوقوف على حافة تحقيق الحلم، و الصعود بلحظة الآن إلى أعلى و التحليق بها شموخ.
تجمع بعض الأطفال يصغون إلى صوت الطائرة الورقية، نعم لها صوت جميل يعود بكل منا إلى لحظة ما في طفولته، و حديث فيه كثير من الاستكشاف للحظة صناعة الطائرة الورقية بأيدينا، و كم كانت اللحظة مختلفة تماماً، بين التحديق الاستكشافي بالأستاذ القائم على الفعالية، و هو يصنع الطائرة خطوة خطوة، بود تسلسلي مدروس، و بين لحظة تشكيل مجموعات صغيرة عديدة من المشاركات، بدأت كل مجموعة في لمس أدواتها و النظر في كل ما يتشكل أمامها من بضع أوراق جرائد، و أوراق ملونة، عصي و بعض أعواد و علب الصمغ و الحبال.
في ذاكرتنا كثير من الحبال و العقد المحكمة التي أوثقتنا و قيدت روحنا، وفي عيوننا الآن حبال أخرى، و عقد تربط بشكل دقيق و محكم لتكون جسراً للطيران و التحليق إلى أعلى.
هي الأشياء ذاتها... هي الأماكن ذاتها.... هو الوقت ذاته، لكنها تجربتنا التي تصنع الفرق في لحظاتنا المختلفة.




 



تعليقات

المشاركات الشائعة