مسرح الحرية... أنا القصة ... و أنا الجمهور... و أنا المسرح

" تعبت أشكى ..... تعبت أبكي..... تعبت أشرح" 

تعبنا نعم، لكننا لا زلنا قادرين على الثبات، و المتابعة و الوقوف، فأكبر الحكايات تولد بعد عناء طويل مرير من القهر و الوجع و الألم، ولد النهار في مسرح الحرية مطلاً على شبابيك و ساحات و شرفات البيوت المتزاحمة الضيقة في مخيم جنين، و في الشارع الرئيسي بعد أمتار قليلة من أقواس بوابة المخيم التي كانت تقف بذراعين مفتوحين، مرحبة بالقادمين، قبل أن يستفز ترحيبها الآلة العسكرية الإسرائيلية، فتسلي وحشتها بتحطيم و كسر حجارتها، و أما الحجارة فككل حجارة فلسطينية، صنعت و جبلت و بنيت بيد فلسطينية، و ذاق ترابها كثيراً من ذاكرة أبنائها الفلسطينيين .




 المسرح واحد من الأدوات التي استخدمها الفلسطيني في نضاله الطويل ضد قوى الاحتلال، إذ طور الفنان أدواته المسرحية، ونصه ليعبر وبشكل حي فعال عن همومه اليومية، وفي جنين حكاية بدأت لتكون ابنة المجتمع، فكانت بيوت الطفولة في ثمانينيات القرن الماضي، بيوت عاشت مع الطفل، و اهتمت بروحه، و أفكاره، وجعه ووحدته، ومن بيوت الطفولة ولد مسرح الحجر في العام 1989 و ثانية بدأ خطواته مع الشباب الفلسطيني الذي عاش ولا زال يعيش وجع الفقد و السجن و يتردد في أذنيه صدى أزيز الرصاص الذي يواجهه بشجاعة  بصدره الأعزل و بالحجر.



و اليوم يقف مسرح الحرية في جنين مسرحاً مجتمعياً ومركزاً ثقافياً في مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية المحتلة. ويعلو و بشموخ يبني حكايته مصغياً لصوت الشارع و حكايات الناس و ألمهم و أحلامهم، و يقول بكبرياء":أنا القصة..... وأنا الجمهور..... وأنا المسرح" وبهذا الصوت لي أن أستعيد معكم كثيراً من الأعمال الفنية و المسرحية بتوقيع مسرح الحرية" أنا هنا ... و هنا أنا" للفنان و المخرج أحمد طوباسي، و مشينا مع الفنان معتز ملحيس  وهو " مروح على فلسطين" بعد مشوار غربة طويل، ليرى صوراً لغربة أخرى هنا في فلسطين، و نسمع الوجع و الحصار و أجراس كنيسة المهد، مع أنات الفنان " فيصل أبو الهيجاء"، و نسترجع قضية البلاد المسجونة بألمها منذ النكبة الفلسطينية و قضية كانت وقت إنتاجها " قضية 47"


 

تلقى مسرح الحرية صفعات قاسية من احتلال إسرائيلي عسكري مراراً هذا العام 2023، خلال اجتياحه مدينة و مخيم جنين في الثالث من تموز، اجتياح استمر لاثنين و سبعين ساعة، ثلاثة أيام متواصلة من الاجتياح و الدمار و الخراب و التكسير الذي طال بوابة و ساحة مسرح الحرية، و البيوت المجاورة له، و صوت المسرح يتجرع الألم ثانية في أيام تشرينية و يئن صدى صوته" أنا الصورة.... اللي مكسورة في بروازها" و في تشرين العام 2023 تعاود قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدافها الجسم الثقافي و الاجتماعي و الإنساني، فتدمر بوحشية و بلا أهداف واضحة، و كأعمى لا يرى الطريق أمامه يتخبط ذهاباً و إياباً، يدمر الطرقات، و الساحات، و يكسر الشواهد، و اللافتات، يطلق الرصاص في كل مكان، الكثير من الجدران نالت رصاصات قاسية، صورة موجعة من الألم الدامي، لكنه الفن و رسالة الثبات و البقاء التي تجعلك في كل مرة، تشد ظهرك و ترفع ساعديك عن الأرض ، تنفض ما علق بها من تراب، و تمسح ما تنفس به جسدك من عرق، و تمضي فما زال الطريق طويلاً، و ما زال الجمهور ينتظر حكايته مصغياً لصوتك.







تعليقات

المشاركات الشائعة